Thursday, December 1, 2011

كارل ماركس


كارل ماركس
كارل ماركس

ولد كارل ماركس في الخامس من أيار/مايو سنة 1818 في مدينة ترير بروسيا الرينانية. وكان أبوه محاميا وكان يهوديا ثم اعتنق البروتستانتية في سنة 1824. ولم تكن عائلة ماركس الميسورة والمثقفة عائلة ثورية. وبعد أن أتم دراسته الثانوية في مدينة ترير دخل جامعة بون ثم جامعة برلين فدرس الحقوق وبنوع خاص التاريخ والفلسفة. وفي سنة 1841 أنجز دراسته بتقديم أطروحته الجامعية حول فلسفة أبيقور. أما مفاهيمه فكانت حتى ذلك الوقت ما تزال مفاهيم هيغلية – نسبة إلى هيغل – مثالية. وفي برلين انضم إلى حلقة "الهيغليين اليساريين" (1) (برونو باور وغيره) الذين كانوا يحاولون أن يستخلصوا من فلسفة هيغل استنتاجات إلحادية وثورية
وعندما تخرج ماركس من الجامعة أقام في مدينة بون حيث كان يأمل بالحصول على منصب أستاذ في الجامعة. ولكن السياسة الرجعية التي كانت تسلكها الحكومة كانت قد أقصت، عام 1832، لودفيغ فيورباخ عن منصبه كأستاذ، وعادت في سنة 1837، فرفضت من جديد السماح له بدخول الجامعة ومنعت في سنة 1841 الأستاذ الشاب برونو باور من إلقاء محاضرات في بون. هذه السياسة الرجعية اضطرت ماركس إلى العدول عن الحياة الجامعية. في ذلك الوقت كانت أفكار الهيغلية اليسارية تتقدم سريعا جدا في ألمانيا. وكان لودفيغ فيورباخ قد أخذ، منذ 1837 على الخصوص، يوجه النقد إلى علم اللاهوت ويتجه نحو المادية التي أحرزت الغلبة نهائيا عنده في سنة 1841 (كتاب "جوهر المسيحية") وفي سنة 1843 ظهر كتابه "أسس فلسفة المستقبل". لقد كتب انجلس فيما بعد حول هذين المؤلفين لفيورباخ: "كان يجب أن يكون الإنسان قد تحسس بنفسه الأثر التحرري لهذين الكتابين... فلقد أصبحنا نحن جميعا (أي الهيغليين اليساريين بمن فيهم ماركس) دفعة واحدة من أتباع فيورباخ."(2) وفي ذلك الوقت أسس البرجوازيون الراديكاليون في ريناني، الذين كان لهم بعض نقاط تماس مع الهيغليين اليساريين، جريدة معارضة في مدينة كولونيا باسم "الجريدة الرينانية"(3) (التي أخذت تصدر ابتداء من أول كانون الثاني سنة 1842) وقد دعي ماركس وبرونو باور إلى العمل محريين أساسيين فيها. وفي تشرين الأول/أوكتوبر سنة 1842 أصبح ماركس رئيس تحريرها فانتقل من مدينة بون إلى كولونيا. وتحت إدارة ماركس أخذ اتجاه الجريدة الديمقراطي الثوري يزداد وضوحا. فعمدت الحكومة في أول الأمر إلى اخضاع الجريدة لرقابة ثنائية بل ثلاثية ثم أمرت بتعطيلها تماما ابتداء من أول كانون الثاني سنة 1843. فاضطر ماركس حينئذ للتخلي عن مركزه في تحرير الجريدة ولكن ذهاب ماركس لم ينقذ الجريدة إذ أنها منعت من الصدور في آذار/ مارس 1843. ومن أهم المقلات التي نشرها ماركس في "الجريدة الرينانية"(4) يشير انجلس إلى مقال حول أوضاع الفلاحين الكرامين في واد الموزيل(5). وقد أدرك ماركس من نشاطه الصحفي أن معلوماته في الاقتصاد السياسي غير كافية فاندفع بحماسة إلى دراسته
في سنة 1843 تزوج ماركس في كريزناخ من جيني فون ويستفالن، صديقة طفولته التي خطبها وهو ما يزال طالبا. كانت زوجته تنحدر من عائلة نبيلة رجعية بروسية. وكان أخ جيني فون ويستفالن الأكبر وزيرا للداخلية في بروسيا في مرحلة كانت من أشد المراحل إغراقا في الرجعية وذلك بين 1850 و 1858
وفي خريف 1843 انتقل ماركس إلى باريس ليصدر في الخارج مجلة راديكالية مع أرنولد روغه (عاش أرنولد روغه من سنة 1802 إلى سنة 1880. وكان هيغيليا يساريا. وسجن من 1825 إلى 1830 وهاجر بعد سنة 1848. وبعد 1866-1870 أصبح من أنصار بسمارك). ولكن لم يصدر من هذه المجلة المسماة "الحولية الألمانية الفرنسية" سوى العدد الأول إذ اضطرت للتوقف بسبب الخلافات مع روغه(6). وفي المقالات التي نشرتها هذه المجلة برز ماركس ثوريا ينادي "بانتقاد لا هوادة فيه لكل ما هو كائن" بما في ذلك "الانتقاد بالسلاح"(7) ويتوجه بالنداء إلى الجماهير والبروليتاريا

في أيلول/سبتمبر سنة 1844 جاء فريدريك انجلس إلى باريس لقضاء بضعة أيام فيها فأصبح منذ ذلك الحين الصديق الحميم لماركس. وقد أسهم كلاهما بأشد الحماسة في الحياة المحمومة للجماعات الثورية التي كانت آنذاك في باريس (وكانت تولي هناك أهمية خاصة لمذهب برودون(8) وقد صفى ماركس حساب هذا المذهب تصفية قاطعة في كتابه "بؤس الفلسفة" الذي صدر عام 1847) وخاضا نضالا حادا ضد مختلف نظريات الاشتراكية البرجوازية الصغيرة وصاغا نظرية وتكتيك الاشتراكية البروليتارية الثورية أو الشيوعية (الماركسية). راجع مؤلفات ماركس في هذه المرحلة الممتدة من 1844 إلى 1848 في قائمة الكتب. وفي سنة 1845 طرد ماركس من باريس لكونه ثوريا خطرا بناء على طلب الحكومة البروسية. فجاء إلى بروكسال وأقام فيها. وفي ربيع 1847 انتمى ماركس وانجلس إلى جمعية سرية للدعاية هي "عصبة الشيوعيين"(9) وقاما بقسط بارز في المؤتمر الثاني لهذه العصبة المنعقد في لندن. وفي تشرين الثاني / نوفمبر 1847 وبناء على تكليف المؤتمر وضع ماركس وانجلس "بيان الحزب الشيوعي" المشهور الذي نشر في شباط / فبراير 1848. إن هذا الكتاب يعرض بوضوح ودقة عبقريين المفهوم الجديد للعالم، يعرض المادية المتماسكة التي تشمل أيضا ميدان الحياة الاجتماعية والديالكتيك بوصفه العلم الأوسع والأعمق للتطور ونظرية النضال الطبقي والدور الثوري الذي تضطلع به البروليتاري، خالقة المجتمع الجديد، المجتمع الشيوعي، في التاريخ العالمي
وعندما انفجرت ثورة شباط/فبراير 1848 (10) طرد ماركس من بلجيكا فعاد إلى باريس ليتركها بعد ثورة آذار/مارس (11) ويعود إلى ألمانيا ليقيم في مدينة كولونيا حيث صدرت من أول حزيران/جوان 1848 إلى 19 أيار/ماي سنة 1849 "الجريدة الرينانية الجديدة"(12) التي كان ماركس رئيس تحريرها. وقد أثبت مجرى الاحداث الثورية في 1848-1849 كما أثبتت فيما بعد جميع الحركات البروليتارية والديمقراطية في جميع بلدان العالم صحة النظرية الجديدة على نحو ساطع. في بادئ الأمر أقدمت الحركة الظافرة المعادية للثورة على إحالة ماركس إلى القضاء (لكن تم تبرئته في 9 شباط/فبراير 1849) ثم نفته من ألمانيا في 16 أيار/ماي 1849. فانتقل أولا إلى باريس حيث طرد منها أيضا بعد تظاهرة 13 حزيران/جوان 1849 (13). ثم ذهب إلى لندن حيث عاش حتى آخر أيامه
إن ظروف حياة المهاجر هذه كانت مضنية إلى أقصى حد كما يتبين بوضوح شديد من مراسلات ماركس وانجلس (المنشورة سنة 1913) فقد عاش ماركس وعائلته تحت وطأة الفقر المدقع ولولا المساعدة المالية الدائمة المخلصة التي كان يقدمها له انجلس لما استحال على ماركس انجاز كتاب "راس المال" وحسب بل لكان هلك حتما من البؤس. ومن جهة أخرى كانت المذاهب والتيارات السائدة في الاشتراكية البرجوازية الصغيرة والاشتراكية غير البروليتارية بوجه عام تضطر ماركس إلى خوض نضال دائم لا هوادة فيه كما كانت تضطره أحيانا للرد على أكثر التهجمات الشخصية جنونا وغباوة (14). وقد تحاشى ماركس حلقات المهاجرين وصاغ في جملة من المؤلفات التاريخية نظريته المادية باذلا جهده على دراسة الاقتصاد السياسي. وقد نفح ماركس في هذا العلم روحا ثورية (انظر مذهب ماركس لاحقا) في مؤلفيه: "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي"(1859) و"رأس المال" (المجلد الاول 1867)
ثم جاءت مرحلة انتعاش النشاط في الحركة الديمقراطية في أواخر العقد السادس وفي العقد السابع فدفعت ماركس من جديد إلى النشاط العملي. ففي سنة 1864 (28 أيلول/سبتمبر) تأسست في لندن الأممية الاولى المشهورة (جمعية الشغيلة العالمية). وكان ماركس روحها كما كان أيضا واضع "رسالتها" الأولى (15) وعدد كبير من المقررات والتصريحات والبيانات. إن ماركس بجمعه شمل الحركة العمالية في مختلف البلدان وسعيه إلى توجيه شتى أشكال الاشتراكية غير البروليتارية السابقة للماركسية (مازيني، برودون، باكونين، التريديونية الليبرالية الانجليزية، الانحرافات اللاسالية اليمينية في ألمانيا، الخ.) في طريق النشاط المشترك وكفاحه نظريات جميع هذه الشيع والمدارس الصغيرة قد صاغ تكتيكا موحدا لنضال الطبقة العاملة البروليتاري في مختلف البلدان. وبعد سقوط كومونة باريس (1871) التي قدرها ماركس تقديرا عميقا، أخاذا، باهرا، فعالا، ثوريا ("الحرب الاهلية في فرنسا" 1871) وبعد الانشقاق الذي أحدثه الباكونيون(16) في الأممية لم يعد باستطاعة هذه الأممية أن تعيش في أوروبا وعقب مؤتمر 1872 في لاهاي انتقل المجلس العام للأممية إلى نيويورك بناء على رأي ماركس. وهكذا أنجزت الأممية الأولى مهمتها التاريخية مفسحة المجال لمرحلة من النمو في الحركة العمالية في جميع البلدان نموا أقوى وأشد مما مضى إلى ما لا حد له، مرحلة تطور هذه الحركة من حيث الاتساع مرحلة تأليف أحزاب عمالية اشتراكية جماهيرية على أساس شتى الدول القومية
وما بذله ماركس من نشاط شديد في الأممية وما قام به من أعمال نظرية بمزيد من الشدة أيضا قد زلزلا صحته زلزلة نهائية. وقد واصل وضع الاقتصاد السياسي على أسس جديدة واتمام كتاب "رأس المال" جامعا عددا ضخما من المستندات الجديدة ودارسا عدة لغات (اللغة الروسية مثلا) ولكن أقعده المرض عن انجاز كتاب "رأس المال"
وفي الثاني من كانون الأول/ديسمبر سنة 1881 ماتت زوجته. وفي 14 آذار/مارس سنة 1883 رقد ماركس في كرسيه رقادا أخيرا هادئا ودفن مع زوجته في مقبرة هايغات في لندن. وقد مات لماركس عدة أبناء وما يزالون أطفالا في لندن حين كانت عائلته تعاني بؤسا مدقعا. وكانت بناته الثلاث متزوجات من اشتراكيين من انجلترا وفرنسا وهن: ايلينوار ايفلينغ ولورا لافارغ وجيني لونغي وابن هذه الاخيرة عضو في الحزب الاشتراكي الفرنسي

No comments:

Post a Comment