Saturday, December 31, 2011

HAPPY NEW YEAR 2012


لقد اعتدتم قديما علي اجتياز الصحارى لكي تحجوا إلى الأماكن المقدسة ..إما الآن فاجتازوا الصحاري و الجبال من اجل آن تتلاقوا وتناقشوا الطريقة التي تحرركم و تجمعكم في اتحاد اخوي
للعيش في حياة تقوم علي الحرية و المسواة و الأخوة 
( لنيين )
لتكن هذة المقولة  امنياتنا للعام الجديد ..... كل عام و نحن جميعا احرار 
عام سعيد 2012 

الي الأمام دائما لا تراجع الي أن تكسو نجمتنا الحمراء الأراضي الخضراء ولا خطوة للوراء

Wednesday, December 28, 2011

هل يجب الاشتراك في البرلمانات البرجوازية

هل يجب الاشتراك في البرلمانات البرجوازية؟

مقتطف من كتاب مرض -اليسارية- الطفولي في الشيوعية
7) هل يجب الاشتراك في البرلمانات البرجوازية؟
يجيب الشيوعيون «اليساريون» الألمان بمنتهى الاستخفاف، وبنزق ما بعده نزق، على هذا السؤال جواباً سلبياً. فما هي حججهم؟ لقد جاء في الفقرة المقتبسة المذكورة أعلاه ما يلي:
«… بجب بكل حزم رفض أية عودة إلى طريق النضال البرلمانية التي ولى عهدها تاريخياً وسياسياً…».
إن هذا الزعم متعجرف إلى حد يدعو للضحك، كما أنه خاطئ بشكل بيّن. «العودة» إلى البرلمانية! هل قامت جمهورية سوفييتية في ألمانيا يا ترى؟ كلا، حسبما يبدو! فكيف إذن يمكن الحديث عن «العودة»؟ أليس ذلك مجرد عبارة جوفاء؟
البرلمانية قد «ولى عهدها تاريخياً». إن هذا صحيح من ناحية الدعاية. ولكن كل واحد يعلم أنه شتان ما بين هذا وبين التغلب على البرلمانية عملياً. فمنذ عشرات السنين كان من الممكن، ومع أتم الحق، أن يقال أن الرأسمالية «قد ولى عهدها تاريخياً» ولكن هذا لا ينفي قط ضرورة شن نضال مديد جداً وعنيد للغاية في صعيد الرأسمالية. إن البرلمانية قد «ولى عهدها تاريخيا» من وجهة نظر التاريخ العالمي، أي بمعنى أن عهد البرلمانية البرجوازية قد انطوى، وأن عهد ديكتاتورية البروليتاريا قد بدأ. هذا ما لا جدال فيه. بيد أن الحساب على الصعيد التاريخي العالمي يجري بعشرات السنين. فإن عشرة سنوات أو عشرين سنة أسرع أو أبطأ -إن هذا من وجهة نظر المقاييس التاريخية العالمية أمر لا شأن له، كما أنه، من وجهة نظر التاريخ العالمي، شيء زهيد لا يمكن حسابه حتى بصورة تقريبية. ولهذا السبب بالذات يكون الاستناد إلى المقياس التاريخي العالمي فيما يخص مسألة السياسة العملية خطأ نظرياً في منتهى الفداحة.
هل البرلمانية قد «ولى عهدها سياسياً»؟ هذه قضية أخرى. فلو كان ذلك صحيحاً لكان موقف «اليساريين» وطيداً. غير أن هذا ما ينبغي إثباته بتحليل جدي، بينما «اليساريون» لا يعرفون حتى كيف يتناولون هذا التحليل. ففي «موضوعات بصدد البرلمانية»، المنشورة في العدد الأول من «نشرة مكتب أمستردام الوقت للأممية الشيوعية» («Bulletin of the Provisional Bureau in Amsterdam of the Communist Internationa», February, 1920) والمعبرة بوضوح عن النزوع اليساري الهولندي أو الهولندي اليساري، نجد كذلك، كما سنرى، تحليلا في غاية الرداءة.
أولاً، إن «اليساريين» الألمان، كما هو معروف، قد اعتبروا، حتى منذ يناير 1919، أن البرلمانية قد «ولى عهدها سياسياً»، وذلك بالرغم من رأي قائدين سياسيين مرموقين كروزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنخت. ومعروف أن «اليساريين» قد أخطأوا. وهذا وحده ما يقضي رأسا وبشكل جذري على الموضوعة الزاعمة بأن البرلمانية قد «ولى عهدها سياسياً». وأن «اليساريين» ملزمون بأن يعللوا لماذا لم تعد غلطتهم البينة السابقة غلطة في الوقت الحاضر. إنهم لا يأتون حتى بشبه تعليل ولا يستطيعون الإتيان به. إن موقف الحزب السياسي من أخطائه هو واحد من أهم وأصدق الأدلة على جدية الحزب وتنفيذه في الواقع واجباته إزاء طبقته والجماهير الكادحة. إن الاعتراف جهاراً بالخطأ، والكشف عن علله، وتحليل الظروف الذي أدى إلى ارتكابه، والبحث باهتمام في وسائل إصلاح الخطأ -إنما هو علامة الحزب الجدي، إنما هو تنفيذه لواجباته، إنما هو تربية وتعليم الطبقة ومن ثم الجماهير. فإن «اليساريين» في ألمانيا (وفي هولنده)، إذ لا ينفذون واجبهم هذا ولا يبذلون منتهى الانتباه والعناية والحيطة في فحص خطئهم البين، ويثبتون بذلك أنهم ليسوا حزب الطبقة، بل حلقة، وليسو حزب الجماهير، بل زمرة من المثقفين والعمال القلائل ممن يتخلقون بأسوأ صفات المثقفين.
ثانيا، في ذات الكراس العائد لفرقة «يساريي» فرانكفورت، والذي اقتبسنا نحن منه أعلاه فقرة مسهبة نقرأ ما يلي:

«… إن الملايين من العمال الذين لا يزالون يتبعون سياسة الوسط» (حزب «الوسط» الكاتوليكي) «معادون للثورة. وبروليتاريا الأرياف تقدم فيالق من القوات المعادية للثورة» (ص3 من الكراس المذكور).

إن هذا القول، حسب كل الدلائل، مفرط في التعميم والمبالغة. لكن الحقيقة الأساسية الواردة هنا لا جدال فيها، واعتراف «اليساريين» بها هو شهادة بينة للغاية على خطئهم. إذ كيف يمكن أن يزعموا أن «البرلمانية قد ولى عهدها سياسياً»، إذا كانت «الملايين» و«الفيالق» من البروليتاريين لا تزال تؤيد البرلمانية بوجه عام، وليس هذا وحسب، بل أنها أيضاً «معادية للثورة» مباشرة!؟ واضح أن البرلمانية في ألمانيا لما يول عهدها سياسياً. وواضح أن «اليساريين» في ألمانيا قد اعتبروا رغبتهم وموقفهم السياسي والفكري واقعاً موضوعيا. وهذه هي أخطر غلطة يرتكبها الثوريون. ففي روسيا حيث ظلم القيصرية البهيمي والوحشي للغاية خلال مدة طويلة جداً وفي أشكال متنوعة جداً أوجد ثوريين من مختلف الاتجاهات، ثوريين مدهشين من حيث الإخلاص والحماسة والبطولة وقوة الإرادة، في روسيا شاهدنا نحن عن كثب غلطة الثوريين هذه، وتفحصناها بانتباه كبير، ونعرفها جيداً جداً ولذلك فهي واضحة لنا كل الوضوح عندما يرتكبها الآخرون. إن البرلمانية قد «ولى عهدها سياسياً»، طبعاً، بنظر الشيوعيين في ألمانيا، ولكن، القضية هي بالضبط في أن لا نعتبر ما ولى بالنسبة لنا، قد ولى عهده كذلك بالنسبة للطبقة وبالنسبة للجماهير. إننا نرى هنا أيضاً أن «اليساريين» لا يستطيعون الحكم على الأشياء كما لا يستطيعون أن يسلكوا سلوك حزب الطبقة، حزب الجماهير. عليكم الاّ تهبطوا إلى مستوى الجماهير، إلى مستوى الفئات المتأخرة من الطبقة. وهذا ما لا جدال فيه. عليكم أن تفضوا إليها بالحقيقة المرة. عليكم أن تسموا أوهامها الديموقراطية البرجوازية والبرلمانية أوهاماً. وعليكم مع ذلك أن تتابعوا على نحو سليم الحالة الحقيقية لوعي واستعداد الطبقة كلها بالذات (لا طليعتها الشيوعية وحسب)، الجماهير الكادحة جميعها بالذات (لا أفرادها المتقدمين وحدهم).
وإذا كانت مجرد أقلية لا بأس بتعدادها، ناهيك عن «الملايين» و«الفيالق»، من العمال الصناعيين تسير في أثر القسس الكاثوليك، ومن العمال الزراعيين تتبع الملاكين العقاريين والكولاك (Grossbauern)، ينجم من هذا دون شك، أن البرلمانية في ألمانيا لما يول عهدها سياسياً، وأن الاشتراك في الانتخابات البرلمانية وفي النضال من على منبر البرلمان أمر لا بد منه لحزب البروليتاريا الثورية وكذلك بالضبط لأغراض تربية الفئات المتأخرة من طبقته هو، وبالضبط لأغراض إيقاظ وتنوير جماهير القرويين المبلدة والمظلومة والجاهلة. وما دمتم عاجزين عن حل البرلمان البرجوازي وسائر أنواع المؤسسات الرجعية، أياً كانت، فلا بد لكم أن تعملوا في داخلها، بالضبط لأنه لا يزال هناك عمال ممن خدعهم القسس وتبلدو في بيئة الأرياف النائية، وإلا فقد تصبحون مجرد مهذارين.

ثالثا، يسهب الشيوعيون «اليساريون» في الأقوال الطيبة بحقنا نحن البلاشفة. وبودي أحيانا أن أقول: حبذا لو قللتم من كيل المديح لنا، وأكثرتم من التمعن في تكتيك البلاشفة ومن التعرف به! لقد اشتركنا نحن في انتخابات البرلمان البورجوازي الروسي -الجمعية التأسيسية- في سبتمبر- نوفمبر سنة 1917. فهل كان تكتيكنا صحيحاً أم لا؟ فإذا لم يكن صحيحاً، ينبغي أن يقولوا ذلك بوضوح وتثبتوه، فذلك أمر ضروري من أجل وضع تكتيك صحيح من قبل الشيوعية العالمية. وإذا كان صحيحاً، فينبغي أن تستنتجوا من ذلك عبراً معينة. بديهي أنه لا يمكن أبداً اعتبار الظروف في روسيا والظروف في أوروبا الغربية متساوية. ولكن فيما يتعلق بالمسألة الخاصة، مسألة ماذا يعني مفهوم أن «البرلمانية قد ولى عهدها سياسياً» لا بد من مراعاة تجربتنا مراعاة دقيقة، إذ أن مثل هذه المفاهيم تتحول بسهولة كبيرة جداً، في حال عدم مراعاة التجربة الملموسة، إلى عبارات جوفاء. أفلم يكن من حقنا، نحن البلاشفة الروس، في سبتمبر-نوفمبر سنة 1917، أكثر من أي من الشيوعيين الغربيين، أن نعتبر البرلمانية في روسيا قد ولى عهدها سياسياً؟ بالطبع كان ذلك من حقنا، لأن القضية ليست في كون البرلمانات البرجوازية موجودة من أمد بعيد أو قريب، بل في مقدار استعداد الجماهير الغفيرة الكادحة (استعداداً فكريا وسياسياً وعملياً) لقبول النظام السوفييتي وحل (أو السماح بحل) البرلمان البرجوازي الديموقراطي. أمّا أن الطبقة العاملة في المدن والجنود والفلاحين في روسيا في سبتمبر نوفمبر سنة 1917 كانوا بحكم بعض الظروف الخاصة مهيئين بصورة ممتازة لقبول النظام السوفييتي وحل أكثر البرلمانات البرجوازية ديموقراطية، فهذا واقع لا جلل فيه مطلقاً وحقيقة تاريخية مقررة تماماً. ومع ذلك لم يقاطع البلاشفة الجمعية التأسيسية، بل اشتركوا في الانتخابات، سواء قبل أو بعد ظفر البروليتاريا بالسلطة السياسية. وأما أن هذه الانتخابات قد أعطت نتائج سياسية قيمة للغاية (ومفيدة للبروليتاريا فائدة فصوى)، فهذا ما أجرؤ على الأمل بأني قد أثبته في المقالة المذكورة أعلاه، والتي تحلل المعطيات المتعلقة بانتخابات الجمعية التأسيسية في روسيا تحليلاً وافياً.
الاستنتاج من ذلك لا جدال فيه إطلاقا: فلقد ثبت أن الاشتراك في البرلمان البرجوازي الديموقراطي، حتى لبضعة أسابيع قبل انتصار الجمهورية السوفييتية، وحتى بعد هذا الانتصار، لا يضر البروليتاريا الثورية، بل يسهل لها إمكانية أن تثبت للجماهير المتأخرة لماذا تستوجب هذه البرلمانات الحل، وهو يسهل النجاح في حلها، ويسهل «إزالة» البرلمانية البرجوازية «سياسيا». إن عدم أخذ هذه التجربة بعين الاعتبار، والادعاء في ذات الوقت بالانتماء إلى الأممية الشيوعية، التي ينبغيس أن تضع تكتيكها أممياً (لا كتكتيك وطني ضيق وذي جانب واحد، بل بالضبط كتكتيك أممي)، يعني ارتكاب أفحش غلطة، والتراجع عن الأممية فعلاً، مع الاعتراف بها قولاً.
والآن فلنلق نظرة على الحجج «اليسارية الهولندية» تأييداً لعدم الاشتراك في البرلمانات. إليكم ترجمة (عن الانجليزية) لأهم موضوعة من موضوعات «الهولندية» المذكورة أعلاه، ونعني بها الموضوعة الرابعة:
«عندما يكون تحطيم نظام الانتاج الرأسمالي قد تم ويكون المجتمع في حالة الثورة، يفقد النشاط البرلماني بالتدريج أهميته بالقياس إلى نشاط الجماهير نفسها. وعندما يصبح البرلمان، في مثل هذه الظروف، مركز العداء للثورة وهيئته، بينما الطبقة العاملة تصنع، من الجهة الأخرى، أداة سيطرتها بشكل السوفييتات، قد يكون حتى من الضروري الامتناع عن كل اشتراك أيا كان في النشاط البرلماني».
إن الجملة الأولى غير صحيحة بشكل بين، لأن أعمال الجماهير، كالإضراب الكبير مثلا، هي أهم من النشاط البرلماني على الدوام، وليس فقط في زمن الثورة أو في حالة توفر الوضع الثوري. إن هذه الحجة البينة بطلانها، وغير الصحيحة من الوجهة التاريخية والسياسية، تبين بوضوح خاص أن واضعي هذه الموضوعات لا تأبهون أبداً لا للتجربة الأوروبية العامة (الفرنسية قبيل ثورتي سنتي 1848 و1870، والألمانية لسنوات 1878-1890 وغير ذلك) ولا للتجربة الروسية (راجع ما ذكر أعلاه) فيما يخص أهمية الجمع بين النضال العلني والسري. وهذه المسألة على جانب هائل من الأهمية، سواء من الوجهة العامة أو الخاصة، لأنه يقترب بسرعة في جميع البلدان المتمدنة والمتقدمة وقت يصبح فيه مثل هذا الجمع (وقد أصبح جزئياً) أكثر فأكثر أمراً لا بد منه لحزب البروليتاريا الثورية، وذلك بحكم اختمار واقتراب الحرب الأهلية بين البروليتاريا والبرجوازية، وبحكم الملاحقات القاسية التي يتعرض لها الشيوعيون من قبل الحكومات الجمهورية والحكومات البرجوازية بوجه عام من أبلغ الشواهد على ذلك) الخ.. وهذه المسألة الهامة للغاية لم يدركها بتاتاً الهولنديون واليساريون جميعهم.
والجملة الثانية هي، أولاً، غير صحيحة تاريخياً. فلقد اشتركنا نحن البلاشفة في أشد البرلمانات عداء للثورة، وقد برهنت التجربة أن مثل هذا الاشتراك لم يكن مفيدا وحسب، بل كان ضرورياً أيضاً لحزب البروليتاريا الثورية، بالضبط بعد الثورة البرجوازية الأولى في روسيا (1905) من أجل التحضير للثورة البرجوازية الثانية (فبراير 1917) وبعد ذلك للثورة الاشتراكية (اكتوبر 1917). ثانيا، إن هذه الجملة غير منطقية لحد مدهش. فمن واقع أن البرلمان يصبح هيئة العداء للثورة و«مركزه» (ونذكر عرضا أن البرلمان لم يكن في الواقع قط «مركزا» ولا يمكنه أن يكونه)، وأن العمال ينشئون أداة سلطتهم بشكل السوفييتات، ينجم أن العمال ينبغي أن يستعدوا، فكرياً وسياسياً وفنياً، لنضال السوفييتات ضد البرلمان، ولحل البرلمان من جانب السوفييتات. غير أنه لا ينجم من هذا أبداً أن وجود معارضة سوفييتية داخل البرلمان المعادي للثورة يعيق مثل هذا الحل أو أنه لا يسهله. إننا لم نلحظ ولا مرة، أثناء نضالنا المظفر ضد دينيكين وكولتشاك، أن وجود معارضة سوفييتية بروليتارية في معسكرهما كان أمراً لا شأن له في انتصاراتنا. إننا نعرف خير معرفة أن وجود المعارضة السوفييتية، سواء منها المعارضة البلشفية الراسخة أو معارضة الاشتراكيين-الثوريين اليساريين المتقلقلة، في داخل الجمعية التأسيسية المعادية للثورة، المقرر حلها، لم يعسر علينا تحقيق حل هذه الجمعية التأسيسية في 5 يناير سنة 1918 بل سهله. لقد التبس الأمر تماماً على واضعي هذه الموضوعة وغابت عن بالهم تجربة سلسلة كاملة من الثورات إن لم نقل جميعها، التجربة التي تشهد بأن من النافع على الخصوص في زمن الثورة الجمع بين العمل الجماهيري خارج البرلمان الرجعي وبين المعارضة المتعاطفة في داخل هذا البرلمان مع الثورة (والأفضل من ذلك: المؤيدة للثورة تأييداً مباشراً). إن الهولنديين و«اليساريين» عموماً يتناولون هذا الأمر كثوريين عقائديين لم يشاركوا قط في ثورة حقيقية أو لم يتمنعوا في تاريخ الثورات، أو يعتقدون بسذاجة أن «الرفض» الذاتي لمؤسسة رجعية ما يعني تحطيمها فعلاً بتضافر مفاعيل جملة كاملة من العوامل الموضوعية. إن أوثق وسيلة للحط من فكرة سياسية جديدة (وليست السياسة وحدها) والاضرار بها، هي السير بها إلى حد السخافة وذلك باسم الدفاع عنها. لأن أية حقيقة، إذا جعلوها «مفرطة» (كما قال ديتزكين الأب) وإذا غالوا فيها إلى حد السخافة، بل وأنها تنقلب، لا مناص، والحالة هذه، إلى سخافة. ومثل هذه الخدمة المعكوسة يقدمها اليساريون الهولنديون والألمان إلى الحقيقة الجديدة بشأن أفضلية السلطة السوفييتية بالنسبة للبرلمانات البرجوازية الديموقراطية. بديهي أن كل من يريد أن يردد الأقوال القديمة ويزعم، بوجه عام، مهما كانت الظروف، يكون على ضلال. ‘ني لا أستطيع أن أحاول هنا صياغة الظروف التي تكون فيها مقاطعة البرلمان نافعة، لأن هدف هذه المقالة أكثر تواضعاً، وهو مراعاة التجربة الروسية بالارتباط ببعض المسائل الملحة للتكتيك الشيوعي الأممي. إن التجربة الروسية أعطتنا مثالاً موفقا وصحيحاً لمقاطعة البلاشفة للبرلمان (سنة 1905) وآخر خطئاً (سنة 1906). وعند تحليل المثال الأول نرى أنه حالف النجاح الجهود الرامية إلى منع عقد برلمان رجعي من قبل السلطة الرجعية، وذلك في ظروف جرى فيها تصاعد نشاط الجماهير الثوري خارج البرلمان (وخاصة الإضرابات) بسرعة خاطفة، ولم يكن فيها باستطاعة أية فئة من فئات البروليتاريا والفلاحين أن تؤيد السلطة الرجعية أي تأييد مهما كان، وكانت البروليتاريا الثورية تؤمن لنفسها التأثير على الجماهير الواسعة المتأخرة بفضل النضال الاضرابي والحركة الزراعية. وجلي كل الجلاء ان هذه التجربة ليست قابلة للتطبيق على الظروف الأوروبية الراهنة. وجلي كذلك كل الجلاء، على أساس الحجج المذكورة أعلاه، أن دفاع الهولنديين و«اليساريين»، ولو دفاعاً مشروطاً، عن فكرة رفض الاشتراك في البرلمانات، خطئ من الأساس وضار بقضية البروليتاريا الثورية.

لقد إذا البرلمان في أوروبا الغربية وأمريكا ممقوتاً للغاية لدى الثوريين الطليعيين من الطبقة العاملة. هذا أمر لا جدال فيه. وهو مفهوم تماماً، إذ من العسير على المرء أن يتصور ما هو أكثر خسة وحطة وخيانة من سلوك معظم النواب الاشتراكيين والاشتراكيين-الديموقراطيين في البرلمان إبان وبعد الحرب. ولكن من السخافة، بل ومن الجريمة تبني هذه الروحية لدى البت بمسألة كيفية مكافحة ما هو شر بنظر الجميع. يمكن القول أن الروحية الثورية هي الآن في كثير من بلدان أوروبا الغربية «بدعة» أو قل «نادرة» كانوا من أمد جد بعيد ينتظرونها عبثاً وبفارغ الصبر، ولعل هذا هو السبب في أنهم يستسلمون لهذه الروحية بمثل هذه السهولة. صحيح أنه بدون هذه الروحية، لا يمكن تطبيق التكتيك الثوري في العمل؛ إلاّ أننا في روسيا قد اقتنعنا على أساس تجربة مديدة للغاية، وشاقة، ودامية، بحقيقة أنه يستحيل بناء تكتيك ثوري على الروحية الثورية وحدها. يجب أن يقوم التكتيك على حساب دقيق وموضوعي تماماً لجميع القوى الطبقية في الدولة المعنية (والدول المحيطة بها، وجميع الدول في المجال العالمي) وكذلك على مراعاة تجربة الحركة الثورية. ومن السهل جداً على المرء أن يظهر «ثوريته» عن طريق الشتائم وحدها يوجهها إلى الإنتهازية البرلمانية، أو فقط عن طريق نفيالإشتراك في البرلمانات، ولكن لهذا السبب بالذات، أي لكون هذا الأمر سهلاً للغاية، ليس هذا حلاً للمهمة الصعبة، بل والبالغة الصعوبة. إن إيجاد كتلة برلمانية ثورية حقاً في البرلمانات الأوروبية، لهو طبعاً أمر أصعب بكثير منه في روسيا. ولكن هذا ليس لإلاً تعبيراً جزئياً عن الحقيقة العامة القائلة بأنه كان من السهل لروسيا في ظروف سنة 1917 الملموسة، الصيلة تاريخياً منتهى الأصالة، أن تبدأ الثورة الاشتراكية، بينما الإستمرار بالثورة والسير بها حتى النهاية سيكونان أصعب على روسيا منهما على البلدان الأوروبية. لقد تسنى لي في بداية سنة 1917 أن أشير إلى هذا الأمر، وتجربتنا خلال سنتين مضتا بعد ذلك قد أكدت صحة هذا الرأي كل التأكيد. ومثل هذه الظروف الخاصة، وهي 1) إمكانية الحمع بين الانقلاب السوفييني وبين إنهاء الحرب الامبريالية التي انتهت بفضله والتي كانت قد أنهكت العمال والفلاحين لدرجة لا تصدق؛ 2) إمكانية الاستفادة، بعض الوقت، من الصراع المميت بين مجموعتي الضواري الإمبرياليين ذوي الجبروت العالمي التين لم يكن باستطاعتهما أن تتحدا ضد العدو السوفييتي، 3) إمكانية تحمل حرب أهلية طويلة نسبياً، ومن أسباب ذلك أبعاد البلد الهائلة ورداءة وسائط النقل، 4) توفر الحركة الثورية البرجوازية الديموقراطية في أوساط الفلاحين العميقة إلى حد أن حزب البروليتاريا أخذ المطالب الثورية عن حزب الفلاحين (الحزب الاشتراكي-الثوري الذي كان في أكثريته على أشد العداء للبلشفية)، وحققها فورا بفضل ظفر البروليتاريا بالسلطة السياسية؛- إن مثل هذه الظروف الخاصة غير متوفرة الآن في أوروبا الغربية، وليس تكرارها أو توفر ظروف مشابهة لها بالأمر اليسير أبداً. ولهذا السبب، بالإضافة إلى جملة أسباب أخرى، يكون أمر بدء الثورة الاشتراكية في أوروبا الغربية أصعب منه عندنا. وإن محاولة «تحاشي» هذه الصعوبة بواسطة «النط» من فوق مشقة الاستفادة من البرلمانات الرجعية للأغراض الثورية، هي صبيانية صرف. أفتريدون أن تنشوا مجتمعاً جديداً؟ وأنتم تخشون الصعوبات لدى تشكيل كتلة برلمانية حسنة، مؤلفة من شيوعيين ذوي إيمان وإخلاص وبطولة، في برلمان رجعي! أوليست هذه صبيانية؟ فلئن استطاع كارل ليبكنخت في ألمانيا وز. هوغلوند في السويد أن يضربا، حتى بدون تأييد جماهيري من أسفل، أمثلة للاستفادة من البرلمانيات الرجعية استفادة ثورية حقاً، فكيف يمكن لحزب جماهيري ثوري ينمو بسرعة، وفي ظروف ما بعد الحرب، ظروف خيبة الجماهير وحنقها، ان يعجز عن تشكيل كتلته الشيوعية في برلمانات أسوأ؟! وبما أن جماهير العمال المتأخرة ولدرجة أكبر -جماهير الفلاحين الصغار متشعبة في أوروبا الغربية بأوهام الديموقراطية البرجوازية والبرلمانية أكثر بكثير منها في روسيا، لهذا السبب بالذات لا يمكن للشيوعيين أن يشنوا (بل يجب عليهم أن لا يشنوا) إلاّ من داخل مؤسسات كالبرلمانات البرجوازية نضالاً مديداً عنيداً لا يتوقف أمام أية صعوبات في سبيل فضح هذه الأوهام وتبديدهما وتذليلها.

يشكو «اليساريون» الألمان من «زعماء» حزبهم الطالحين، ويستسلمون لليأس، وينتهي بهم الأمر إلى شيء مضحك، إلى «نفي» «الزعماء». ولكن في الظروف التي يتأتى فيها غالباً إخفاء «الزعماء»، يكون إيجاد «الزعماء» الصالحين الموثوق بهم والمجربين والمتنفذين أمراً على غاية من الصعوبة، والتغلب على هذه المصاعب مستحيل بدون الجمع بين النشاط العلني والسري، وبدون أن يُمتحن «الزعماء»، فيما يمتحنون، كذلك بمحك المنصة البرلمانية. إن الاعتقاد، بل وأقسى الانتقاد الذي لا يعرف الهوادة والمسالمة أبداً، ينبغي أن يوجه، لا ضد البرلمانية والنشاط البرلماني، بل ضد أولئك الزعماء الذين لا يستطيعون، وبالأحرى ضد أولئك الذين لا يريدون، أن يستفيدوا من الانتخابات البرلمانية ومن منبر البرلمان بالطريقة الثورية، بالطريقة الشيوعية. ومثل هذا الإنتقاد وحده، على أن يقترن، طبعاً، بطرد الزعماء غير الصالحين والاستعاضة عنهم بآخرين صالحين، سيكون عملاً ثورياً نافعاً ومثيراً يربي في الوقت نفسه «الزعماء» ليكونوا جديرين بالطبقة العاملة والجماهير الكادحة، وكذلك الجماهير لتتعلم فهم الوضع السياسي بصورة صحيحة وإدراك الواجبات التي تنشأ عن ذلك الوضع، تلك الواجبات التي كثيراً ما تكون معقدة ومتشابكة [17].


**************************************************
مرض -اليسارية- الطفولي في الشيوعية
كتب في أبريل 1920
في كتاب على حدة،
في بتروغراد،

الحوار المتمدن - العدد: 3587 

فلاديمير لينين - الماركسية والإصلاحية


  
الماركسية والإصلاحية

خلافا للفوضويين، يعترف الماركسيون بالنضال من أجل الإصلاحات، أي من أجل تحسينات في أوضاع الكادحين تترك السلطة، كما من قبل، في يد الطبقة السائدة ولكن الماركسيين يخوضون في الوقت نفسه نضالا في منتهى الحزم ضد الإصلاحيين الذين يحدون، بواسطة الإصلاحات، مباشرة أو بصورة غير مباشرة، من تطلعات الطبقة العاملة ونشاطها. فإن الإصلاحية إنما هي خداع برجوازي للعمال الذين يبقون دائما عبيدا مأجورين، رغم مختلف التحسينات، ما دامت سيادة الرأسمال قائمة.

إن البرجوازية الليبرالية تمنح الإصلاحات بيد وتسترجعها بيد أخرى، وتقضي عليها كليا، وتستغلها لأجل استعباد العمال، لأجل تقسيمهم إلى فرق مختلفة، لأجل تخليد عبودية الكادحين المأجورة. ولهذا تتحول الإصلاحية بالفعل، حتى عندما تكون مخلصة كليا، إلى أداة لإضعاف العمال ولنشر الفساد البرجوازي في صفوفهم. وتبين خبرة جميع البلدان أن العمال كانوا ينخدعون كلما وثقوا بالإصلاحيين.

أما إذا استوعب العمال مذهب ماركس، أي إذا أدركوا حتمية العبودية المأجورة ما دامت سيادة الرأسمال قائمة، فإنهم، على العكس، لن يدعوا الإصلاحات البرجوازية، أيا كانت، تخدعهم. إن العمال يناضلون من أجل التحسينات مدركين أن الإصلاحات لا يمكن أن تكون لا ثابتة ولا جدية ما دامت الرأسمالية قائمة، ويستغلون التحسينات لأجل مواصلة النضال بمزيد من العناد ضد العبودية المأجورة. إن الإصلاحيين يحاولون أن يقسموا العمال ويخدعوهم بالصدقات ويصرفوهم عن النضال الطبقي. أما العمال الذين يدركون كذب الإصلاحية، فإنهم يستغلون الإصلاحات لأجل تطوير وتوسيع نضالهم الطبقي.

وبقدر ما يشتد تأثير الإصلاحيين في العمال، بقدر ما يضعف العمال، وتزداد تبعيتهم حيال البرجوازية، ويسهل على البرجوازية إبطال مفعول الإصلاحات كليا بشتى الحيل. وبقدر ما تتعاظم الحركة العمالية استقلالا وعمقا، وسعة من حيث الأهداف، وبقدر ما تتحرر من ضيق الإصلاحية، يفلح العمال أكثر فأكثر في تثبيت مختلف التحسينات والاستفادة منها.

والإصلاحيون موجودون في جميع البلدان لأن البرجوازية تحاول في كل مكان أن تفسد العمال بنحو أو آخر، وان تجعل منهم عبيدا راضيين بعبوديتهم يرفضون فكرة القضاء عليها. والإصلاحيون في روسيا إنما هم التصفويون الذين يتخلون عن ماضينا لكي يخدروا العمال بأحلام عن حزب جديد، علني، شرعي. ومؤخرا طفق التصفويون في بطرسبورغ، وقد أحرجتهم "سيفيرنايا برافدا" 01 ، يدافعون عن أنفسهم لرد التهمة بالإصلاحية وتنبغي دراسة محاكماتهم بانتباه لأجل تفهم هذه المسألة الخارقة الأهمية بكل وضوح.

كتب التصفويون من بطرسبورغ يقولون: نحن لسنا إصلاحيين، لأننا لم نقل أن الإصلاحات هي كل شيء وان الهدف النهائي لا شيء، لقد قلنا: التحرك نحو الهدف النهائي، لقد قلنا: عبر النضال من أجل الإصلاحات نحو كمال المهام المطروحة.

لنر ما إذا كان هذا الدفاع يطابق الحقيقة.

الواقع الأول: كتب التصفوي سيدوف، ملخصا بيانات جميع التصفويين، أن اثنين من "الحيتان الثلاثة" 02 التي قدمها الماركسيون لا يصلحان الآن لأجل التحريض. وأبقى يوم العمل من ثماني ساعات، القابل، نظريا، للتحقيق بوصفه إصلاحا. وأزال أو نحّى على وجه الضبط ما يتخطى نطاق الإصلاح. فسقط بالتالي في أجلى ضروب الانتهازية، منتهجا على وجه الدقة تلك السياسة التي تعبر عنها الصيغة القائلة أن الهدف النهائي لاشيء. وهذه هي الإصلاحية عندما ينحّون بعيدا "الهدف النهائي" (وان على الأقل بالنسبة للديموقراطية) عن التحريض.

الواقع الثاني: أن المجلس العام السيئ الشهرة الذي عقده التصفويون في آب/ غشت (من العام الماضي) ينحي بعيدا هو أيضا – لحالة خاصة – المطالب غير الإصلاحية عوضا عن تقريبها تماما، إلى قلب التحريض بالذات.

الواقع الثالث: أن التصفويين، إذ ينكرون "القديم" ويحطون من شأنه، ويتهربون منه، إنما يقتصرون بالتالي على الإصلاحية. إن الصلة بين الإصلاحية والتنكر "للقديم" جلية لعيان في الوضع الراهن.

الواقع الرابع: إن حركة العمال الاقتصادية تستثير غضب التصفويين وتهجماتهم ("التهيج"، "التلويح بالأيدي" وهلم جرا وهكذا دواليك) ما أن ترتبط بشعارات تتخطى نطاق الإصلاحية.

وعلام نحصل في النتيجة؟ التصفويون يرفضون الإصلاحية المبدئية قولا، ويطبقونها على طول الخط فعلا. من جهة، يؤكدون لنا أن الإصلاحات لا تعني البتة بالنسبة لهم كل شيء، ومن جهة أخرى، يستتبع كل تجاوز في الواقع من قبل الماركسيين لنطاق الإصلاحية إما التهجمات وإما الإهمال من جانب التصفويين.

وفضلا عن ذلك، تبين لنا الأحداث في جميع ميادين الحركة العمالية أن الماركسيين لا يتأخرون، بل بالعكس يمضون قُدماً بكل وضوح في مجال الاستفادة عمليا من الإصلاحات وفي مجال النضال من أجل الإصلاحات. خذوا الانتخابات إلى الدوما في فئة العمال – مداخلات النواب في الدوما وخارج الدوما، وإصدار الجرائد العمالية، والاستفادة من إصلاح الضمان، واتحاد المعدنيين بوصفه نقابة كبيرة جدا، والخ. – ترو في كل مكان تفوق الماركسيين العمال على التصفويين في ميدان العمل المباشر، الأقرب، "اليومي" في حقل التحريض والتنظيم والنضال من أجل الإصلاحات والاستفادة منها.

إن الماركسيين يعملون بلا كلل ولا يفوتون أي "فرصة" للإصلاحات وللاستفادة منها، ولا يدينون بل يدعمون، ويطورون بعناية كل تجاوز لنطاق الإصلاحية، وذلك في الدعاية وفي العمل الجماهيري الاقتصادي، والخ... أما التصفويون الذين ابتعدوا عن الماركسية، فإنهم بتهجماتهم على وجود الكل الماركسي بالذات، بقضائهم على الطاعة الماركسية، بترويجهم بالإصلاحية وبالسياسة العمالية الليبرالية، لا يفعلون غير أن يشوشوا الحركة العمالية.

وفضلا عن ذلك، لا يجوز أن يغيب عن البال أن الإصلاحية في روسيا تتجلى أيضا في شكل خاص، وذلك على وجه الدقة في صورة تشبيه الظروف الجذرية للوضع السياسي في روسيا المعاصرة بما هي عليه في أوروبا المعاصرة. وهذا التشبيه مشروع من وجهة نظر الليبرالي، لأن الليبرالي يؤمن ويدين بأن « عندنا، والحمد لله، دستور». إن الليبرالي يعرب عن مصالح البرجوازية حين يدافع عن النظرة القائلة أن كل تجاوز من قبل الديموقراطية لنطاق الإصلاحية بعد 17 تشرين الأول (أكتوبر) هو جنون وجريمة وخطيئة، وما إلى ذلك.

ولكن هذه النظرات البرجوازية بالذات هي التي يطبقها في الواقع أصحابنا التصفويون الذين "ينقلون" دائما وبدأب وانتظام إلى روسيا (على الورق) "الحزب العلني"، و"النضال في سبيل الشرعية"، وخلافهما. أي أنهم، بتعبير آخر، يروجون، مثل الليبراليين، بنقل الدستور الأوروبي إلى روسيا بدون ذلك السبيل الأصيل الذي أدى في الغرب إلى وضع الدساتير والى ترسيخها في سياق أجيال من الناس، وحتى أحيانا في سياق قرون. إن التصفويين والليبراليين يريدون، كما يقال، أن يغسلوا الجلد دون أن يغطسوه في الماء.

في أوروبا، تعني الإصلاحية بالفعل التخلي عن الماركسية والاستعاضة عنها "بالسياسة الاجتماعية" البرجوازية. أما عندنا، فإن إصلاحية التصفويين لا تعني هذا وحسب، بل تعني كذلك القضاء على التنظيم الماركسي والتخلي عن المهمات الديموقراطية للطبقة العاملة، والاستعاضة عنها بسياسة عمالية ليبرالية.
 
فلاديمير إيليتش لينين
12 شتنبر 1913

"برافدا ترودا"، العدد2.
12 المجلد 24، ص 1 – 4 
الحوار المتمدن - العدد: 3568

Tuesday, December 27, 2011

الجدلية اللينينية و الصورية التروتسكية

الجدلية اللينينية و الصورية التروتسكية


الجدلية اللينينية و الصورية التروتسكية

غالبا ما كانت الفوضويـة نوعا من العقاب على الدنوب الإنتهازية في حركة العمال و كلا هدين المسخين 
(الفوضوية و الإنتهازية ) لينين مكمل لبعضهما

إن عمق الأزمة التي تعيشها الحركة الماركسية-الينينية المغربية (الحملم),و خصوصا الانحرافات التي عرفتهـا من طرف الجل إن لم نقل الكل , أضف الى دلك مجموعة التحولات التي يعيشها العالم في العقد الأخير من هـذا القرن , جعل التربة خصبة لنمو مجموعة من الطحالب في شكل تعبيرات سياسية صبيانية , تزعم لنفسها بأنهـا"ماركسية". وهكذا بدأت تتبلور في السنين الأخيرة في الشارع السياسي المغربي رؤية جديدة/قديمة تحاول تحديد أزمة الحملم على أنها أزمة في ألمنطلقات الفكرية والسياسية والتنظيمية, وعلى أن "الطرح "التروتسكي هو المنفد الوحيد والأوحد للعملية الثـورية المغربية إلا أن هداالطرح لا يعلن على نفسه بجرأة بل يلتجأ الى الإحتيال برفع شعار "اللينينية" لكن بضمون هو بعيد كل البعد عنها . والحال أن الحديث عن التروتسكية كنظرية مستقلة و منسجمة من الصعوبة بما كان نتيجة لتدبدب مواقف صاحبهــــا (أي تروتسكي) ابان الثورة الروسية فكما قال لينين "ان تروتسكي لم يكن له في يوم من الأيام رأي ثابت في أي قضية جدية من قضايا الماركسية فقد كان "يتسلل" دائما في "الثغرات" الإختلافات , وينتقل من معسكر لأخر" لكن سنحاول توضيح الخطوط العريضة لتلك "النظرية" وذلك من خلال تقييم عام لمراحل الثورة الروسية واضعين على بساط البحث المواقف المختلفة لكل من لينين و تروتسكي حتى يتسنى لنا الإجابة على السؤال المطروح "هل بالفعل تمثل التروتسكية امتدادا لللينينية ؟ أم هي تحريف سافل لها؟"*ثورة 1905 إستطاع البلاشفة تحت قيادة لينين من تحديد المضمون الإقتصادي و السياسي لثورة 1905 بكونها ثورة ذات مضمون برجوازي ديموقراطي ، يستهدف الإطاحة بالملاكين الكبار و مصادرة أملاكهم لصالح الفلاحين وارساء ديكتاتورية العمال والفلاحين الديمقراطية ، وحددوا مهمة البروليتاريا آنذاك في حمل الفلاح على التمرد على النظام وتمرينه للإستيلاء على الارض ومن هنا كانت الضرورة الملحة لتحالف البروليتاريا مع الفلاحين شريطة قيادة البروليتاريا لذلك التحالف حتى يتسنى السير بالثورة حتى النهاية. ففشل ثورتي 1848- 1871 الفرنسيتين كان نتاج عدم قدرة البروليتاريا على جذب الفلاحين الى جانبها ، كما يقول إنجلز خصوصا في مجتمع يشكل فيه الفلاحون أغلبية السكان.
ففي معرض حديثه عن دور حزب البروليتاريا اتجاه الفلاحين أكد انجلز ولكن يجب على هذا الحزب،لكي يظفر بالسلطة السياسية، أن يذهب بادئ ذي بدء من المدينة الى الريف، يجب عليه أن يغدوقوة في الريف
كيف كان ينظر تروتسكي الى ثورة 1905 ؟
بعد انفصاله عن الجناح المنشفي في أواخر1904 ارتبط فكريا مع بارفوس (الا.ش.الد.الالماني) وأكد بذلك على نظرياته بخصوص الحزب /التنظيم الذي طرحه في نفس السنة في كراس تحت عنوان واجباتنا السياسية والتي أعلن فيها رفضه بشكل قا طع لمجمل نظرية لينين عن الحـزب الثوري التي نجذها بشكل واضح في كتاب ما العمل تفضي نظرية لينين الى مايلي :تحل منظمة الحزب أولا محل مجمل الحزب,ثم تحل اللجنة المركزية محل المنظمة ذاتها وأخيرا سيحل "ديكتاتور"فرد محل اللجنة المركزية " واضعا لومه على لينين بسبب " ريبته السيئة النية و الكريهة أخلاقيا"و سنعود الى هذه المسألة لاحقا (أي رؤية تروتسكي للتنظيم) . لقد حدد تروتسكي الى جانب بارفوس مضمون ثورة 1905 في شعار : "ليسقط القيصر ولتحيا الحكومة العمالية" الذي انتقده لينين بشدة في كتابه " رسائل حول التكتيك " هكـذا كان تروتسكي دائما رائعا في القفز على المراحل ,الشيء الذي سيؤدي الى تحطيم الثورةعلى رأسه , لكن ذلك ليس بمهم فما يهمنا هو المعانات التي سيلقاها الشعب الروسي بعد ذلك . هذه المعانات التي عاشها الشعب الفرنسي بعد فشل ثورتي 1848 -1871 نتيجة لعدم اعطاء الاهمية الضرورية للفلاحين في الثورة( أنظر بهذا الصدد مقال انجلس " المسألة الفلاحية في فرنسا و ألمانيا ") فتلك هي السمة الاولى التي تميز فكر تروتسكي وهي القفز على المراحل و الادماج الارادي للمراحل هنا نجد تروتسكي في نفس مواقع المناشفة على مستوى المضمون يقول لنين :"ان تروتسكي مثله مثل مارتوف , يخلط في كومة واحدة مراحل تاريخية متنوعة,مواجها روسيا التي تقوم بثورتها البرجوازية بأروبا التي أنجزت من زمان ثوراتها البرجوازية "
كان تروتسكي يرى في سياسة البلاشفة على انها سياسة تتسم بطابع "رجعي"لانها تسعى الى اشراك الفلاحين في الحكم الى جانب البروليتاريا على اعتبار ان الملكية الصغيرة التي يمثلها الفلاحون هي قوة رجعية من وجهة نظر الاشتراكية . هكذا كان يرى تروتسكي التحـالف بين الفلاحين والبروليتـــاريا على أنه "يناقض كل مجرى التطور الاقتصادي "ليصل فيمــا بعد الى فكرة حتمية نشوب الصراع بين الفلاحين والبروليتاريا إذا ما أنجزت هذه الثورة تحت شعار البلاشفة "ديكتاتورية البروليتـاريا والفلاحين الديمقراطية".( فما أسهل الانزلاق عندما نصل الى المنحدر ) فلنين كان دائما يؤكد خلال تلك المرحلة على أن ذلك التحالف هو الكفيل ولوحده أن يزيح كل بقايا الإقطاع وبالتالي هو الذي سيساهم في التطور الاقتصادي لروسيا" وانه خاطئ اصلا الرأي الذي يزعم ان ديكتاتورية هاتين الطبقتين اتجاها حزبيا عاما < لكنه ليس في الحقيقة سوى "اتجاها عاما معاد للحزب " ومحاولة لتكوين كتلة مستقلة الشيء الذي أكدته التجربة بعد ذلك وحيث اصبح تروتسكي أحد المدافعين والمتسترين عن تيار التصفوية . كان التصفويون يجمعون بين شعار "حرية التحالف " وشعار " ليسقط الحزب الثوري " ليسقط النضال في سبيل الجمهورية " أي تصفية حزب الطبقة العاملة الثوري غير الشرعي مع الدعوة الى عقد " مؤتمر عمالي لا حزبي " من اجل تأسيس حزب عمالي شرعي " واسع " أما الإنسحابيون فكانوا " تصفويون بالمقلوب " كما وصفهم لينين فقد طالبو بانسحاب النواب الإشتراكيون ــ الديمقراطيون من دوما الدولة وبوقف عمل الحزب في المنظمات الشرعية ـ العلنية ،النقابات التعاونيات ...الخ قي ظل هذا الارتداد وجد ترتسكي الفرصة سانحة تماما للانقضاض على البلاشفة بمحاولة توحيد الإنسحابيين والتصفويين وبعض الفرق الإنتهازية ذات الطابع البرجوازي في الخارج في "كتلة أغسطس"و بعد سنة ونصف تحقق تنبأ لينين بتفكك"كتلة أغسطس" وانبتق عنها اتجاهان ،الاتجاه اللونشي المنشفي ـ التصفوي والاتجاه التروتسكي الملتف حول جريدة" يوربا" التي مافتئت بعد ذلك بالصراخ عدم تكتليتها ، حول الوحدة ، لكن هل بالفعل كانت تدافع عن الوحدة ؟ كلا ، فقد كانت تطرح الوحدة مع التصفويين والإنسحابيين الذين تم طردهم من الحزب عند انعقاد المجلس العام السادس لعامة روسيا ـ الذي شكل من الناحية التنظيمية حزب البلاشفة المستقل ـ بل الأدهى من ذلك فقد رفض تروتسكي وجهة نظر النصفوي لارين الذي كان يقترح الوحدة في شكل الفيدرايبون (الاتحاد ) بالشكل الذي تتساوى فيه الحقوق بين اغلبية العمال الواعين والكتل التصفوية الصغيرة واقترح ضرورة التمازج بين الكل على " على اساس القرارات التكتيكية المشتركة " ذلك موقف تروتسكي في تلك المرحلة الدقيقة ،الدفاع عن مخربي حزب الطبقة العاملة وقد كتب لينين في تقييمه لتلك المحطة : "إن الوحدة شيء عظيم وشعار عظيم ، لكن قضية العمال بحاجة الى وحدة ماركسيين وليس الى وحدة ماركسيين مع خصوم الماركسية ومشوهيها " . وفي تلك الفترة بالضبط في سنة 1914 نشب صراع حاد بين البلاشفة والتصفويين حول الفقرة التاسعة من برنامج الحزب الخاصة بحق الأمم في تقرير مصيرها . فاعتبر تروتسكي ذلك الصراع بمثابة فرصة سانحة من اجل تسعير الاختلافات بين خصوم تيار التصفوية من روس وبولونيين لاجل تدعيم موقف التصفويين ضد البلاشفة وقد كتب لينين ناعتا تروتسكي على ذلك الموقف "إن تروتسكي المخلص لأشد خطرا من العدو! " واواقع أن تروتسكي لم يكن يعترف بحق الأمم في تقرير مصيرها الا شفاهيا فلم يكن يحرك ساكنا من أجل الدفاع عن حرية الأمم التي تضطهدها روسيا والدي اعتبره لينين جوهر التحريض في تلك الفترة : والآن لا يزال الإشتراكيون ـ الإمبرياليون السافرون من نوع لينين، يرفعون الصوت علنا ضد حرية تقرير المصير وضد انكار الإلحاق على السواء .اما الكاوتسكيون فهم يقرون ونفاقا بحرية تقرير المصير ،كما يفعل تروتسكي ومارتوف عندنا في روسيا ، فكلاهما يؤيد بالأقوال حرية تقرير المصير مثل كاوتسكي ، لكن ما هو موقفهما في الواقع ؟ خدوا مقالات تروتسكي " الأمة والإقتصاد "تلمسوا اختياريته العادية فهو يقول من جهة أن الإقتصاد يوحد الأمم ويدمج بعضها في بعض ويقول من جهة اخرى أن الاضطهاد القومي يفرق اللأمم بعضها عن بعض . فما الخلاصة ؟ الخلاصة هي أن النفاق السائد لما يكشف القناع عنه وأن العمل التحريضي ما يزال جامدا لا حياة لأنه لا يمس الشيء الرئيسي الجوهري الأساسي القريب من التطبيق العملي ونعني به موقف المرء من الأمة التي تضطهدها " امته " ." وهكذا " مهما كانت نوايا تروتسكي ومارتوف الذاتية الطيبة فإنهمــا، موضوعيا ،يؤيدان الإشتراكية ـ الإمبريالية الروسية بمراوغتهما وموقفهمــا الغامض"
ثورة1917 ثورة فبراير – مارس
استطاع البلاشفة تحت قيادة لينين في فبراير 1917 من دفع عجلة الثورة الى الأمام واسقاط القيصرية فحلت محل حكومة الملاكين العقاريين حكومة ليبرالية موالية للبورجوازية الإمبريالية تحت زعامة حزب الكاديت وقدا اعتبر لينين هذه الثورة طور الانتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية من الثورة. فجوهر المرحلة الأولى يكمن في انتقال السلطة من طبقة الملاكين العقاريين إلى طبقة البرجوازية "إن انتقال سلطة الدولة من طبقة إلى أخرى هو الدليل الأول الرئيسي الجوهري على الثورة سواء بمعنى الكلمة العلمي الدقيق أو بمعناها السياسي العملي " وهكذا كان لزاما على الحزب البلشفي ان يحدد المهام الجديدة التي تتوافق والواقع الموضوعي الجديد ، و في الرابع من نيسان قدم لينين موضوعات نيسان حيث ثم خلالها تغيير شعار " ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الثورية الديمقراطية " بشعار اخر"ديكتاتورية البروليتاريا المستندة الى الفلاحين" وقد اتارت هذه الموضوعات غضب و إحتجاج مجموعة من البلاشفة أنفسهم والذين قال عنهم لينين " إن من لا يتحدث اليوم إلا عن " ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الثورية الديمقراطية " يتأخر عن موكب الحياة ،ينتقل عمليا الى البورجوازية الصغيرة ضد النضال البروليتاري الطبقي ويستحق نبده الى أرشيف" التحف البلشفبة " ما قبل الثورة أو قد يمكن القول الى أرشيف البلاشفة القدامى ."
لنرتبط بالموضوع المتناول بين أيدينا ولنطرح التساؤل التالي :هل كان بالفعل تغيير الشعار السياسي من طرف لينين منسجما مع " الثورة الدائمة " كما ادعى تروتسكي ؟ فكما هو معلوم أن تروتسكي حاول مرارا وتكرارا أن يجد لنظرية " ثورته الدائمة " مكانا ما في الفكر اللينيني،فطانت موضوعات نيسان بمثابة المفتاح السحري ليمرر نظريته تحت راية اللينينية خصوصا بعدما أثبتت هاته الأخيرة على قوتها وقدرتها في قراءة الواقع والإجابة عليه .وهكذا نجده يطرح في كتابه "الخط الجديد" :" أما فيما يخص نظرية الثورة الدائمة فإنني لا أرى من داع لتعديل أي شيء مما كتبته عن هذا الموضوع بين 1904 ـ 1906 وفيما بعد أنني لا أزال على رأيي بأن الأفكار التي عرضتها آنذاك في مجملها أقرب بكثير الى محتوى اللينينية الفعلي مما كان يكتبه عدد من البلاشفة ... ولقد تعني هذه النظرية بالنسبة الى روسيا : أن م ا نحن بحاجة اليه ليس الجمهورية البرجوازية ولا حتى الديكتاتورية الديمقراطية للبروليتاريا وللطبقة الفلاحية ، و انما الحكومة العمالية المدعومة من قبل الطبقة الفلاحية والمدشنة لعصر الثورة الإشتراكية الأممية ... وما كانت كتاباتي في تلك المرحلة تنطوي على أي محاولة " للقفز فوق الطبقة الفلاحيــة " وكانت نظرية "الثورة الدائمة " تقود مباشرة الى اللينينية ولاسيما الى أطروحات نيسان 1917 " .
ونجد نفس المحولة والموقف في رسالة وجهها اولمنسكي » إنني ابعد ما أكون عن الاعتقاد بأنني كنت على خطأ على طول الخط مناقشاتي مع البلاشفة ... وإنني على يقين بأن تقييمي للقوى المحركة للثورة كان صحيحا مطلق الصحة وما يزال بإمكاني الى الآن بلا مشقة أن أقسم الى قسمين مقالاتي الجدلية التي كتبتها سابقا ضد المناشفة والبلاشفة : فبعضهــا مكرس لتحليل قوى الثـورة الداخلية ومنظوراتها...وبعضها الآخر مكرس لتقييم أجنحة الاشتراكية الديمقراطية الروسية وصراعاتها... وما يزال بوسعي الى اليوم أن أنشر مقالات الجزء الأول من دون أن أبدل فيها شيأ لأنها تتطابق تماما مع وجهات نظر حزبنا إبتداءا من عام 1917 « . لنرى إذن هل بالفعل كان تروتسكي محقا في كتاباته هاته ؟ أم هي محاولة خسيسة لقرصنة اللينينية وتجريدها من كل ما تزخر به من الجدل الماركسي الثوري ؟ ولأجل ذلك يجب أولا توضيح قراءة لينين لواقع الثورة الروسية والذي أفضى إلى تغيير الشعار التكتيكي (( إن الماركسية تطلب منا أن نأخذ بالحسبان على أدق وجه وبصورة يمكن معها التثبت من صحته موضوعيا النسبة بين الطبقات والخصائص الملموسة في كل حقبة تاريخية محددة )) تلك هي الجملة التي كان دائما يرددها لينين ويلح عليها وعلى تطبيقها قبل رفع أي شعار سياسي فصيغة » ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الثورية الديمقراطية « ليست سوى تعبيرا دقيقا ينص على نسبة القوى بين الطبقات ، وتحدد المهمة التالية : محل السيادة البرجوازية يجب أن تحل سيادة البروليتاريا والفلاحين .إلا أن واقع الصراع الطبقي في روسيا قد أسفر عن تمازج تلك السيادتين .ف» سوفييت نواب العمال والفلاحين والجنود هو بالضبط » ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الثورية الديمقراطية « وقد اثبت الواقع الحي نقطة جوهرية وأساسية لا يجب إغفالها تماما ألا وهي التناول الإرادي والحر لهاته الديكتاتورية عن السلطة البورجوازية وأن الفلاحين يتجهون بشكل قوي نحو التعاون الطبقي مع البورجوازية وهـذا الواقع الجديد طرح مهمة جديدة في جدول اعمـال الثورة وهي الفصل في قلب هذه الديكتاتورية بين العناصر الشيوعية ، البرو ليتاريا وبين العناصر البورجوازية الصغيرة خصوصا اذا علمنا أن هذه الاخيرة قد انعطفت نحو الشوفينية وبالتالي نحو المساندة الفعلية للبورجوازية الإمبريالية لذلك بالضبط وجب تغيير الشعار الى شعار ديكتاتورية البروليتاريا المستندة إلى الفلاحين وقد كتب لينين في سنة 1917 موضحا خطر الشعارات التي صاغها تروتسكي سنة 1905 "الا نتعرض لخطر الوقوع في الذاتية ،في رغبة القفز من فوق الثورة البورجوازية ـ الديمقراطية، غير المنتهية ـ والتي ما زالت مشوبة بميزات حركة الفلاحين ـ إلى الثورة الاشتراكية ؟ لو قلت " لا نريد قيصر، نريد حكومة عمال " لتعرضت لهذا الخطر ولكني لم أقل هذا، إنما قلت شيئا آخر قلت أنه ايمكن أن يكون ثمة حكومة في روسيا باستثناء الحكومة البورجوازية ، غير سوفيتات نواب العمال والأجراء الزراعيين والجنود والفلاحين " .فالصراع الطبقي آنذاك لم يصل إلى مرحلة وجب خلالها رفع شعار " الثورة الإشتراكية " لأن الثورة الزراعية لم تنته بعد وبالتالي وجب استخدام القوى الثورية للفلاحين لتمهيـد المرور إلى الاشتراكية وهكذا يتضح بشكل جلي أن لينين لم ينظر للفلاحين وكأنهم قبليا أعداء للطبقة العاملة وإنما كحلفاء موضوعيين ممكنين وجب على الطبقة العاملة توجيههم والسير بهم حتى يصبحوا قوة ثورية ذات وزن حاسم في النضال من أجل الاشتراكية " أنا لا أقول : ليسقط القيصر لتحيا الحكومة العمالية ! بل أقول : لدينا سوفيتات بورجوازية صغيرة . أنا لا أقول: الاشتراكية حالا ، بل أقول : إن هذا الأجراء أو ذاك يوفر مكاسب للفـلاح و يسدد في الوقت نفسه ضربة للملكية " .
ما بعد الثورة :
لقـد كانت الدولة السوفيتية بعد انتصار ثورة أكتوبر العظمى تعاني من المشاكل الاقتصادية والسياسية فمن الجوع و قلة المحاصيل وصولا إلى تهديد الثورة المضادة الزاحفة وهجوم الإمبريالية الألمانية كان أي خطأ سياسي تكتيكي يعني انفجار البركان وبالتالي موت الثورة الفتية ففي اليوم الثاني من إقامة السلطة السوفييتية ، أقر مؤتمر السوفييتات الثاني لعامة روسيا مرسومين أساسيين مرسوم الأرض الذي صفيت بموجبه الملكية الإقطاعية وألغيت الملكية الخاصة للأرض كما تمت بموجبه إحالة الأرض كلهـا إلى الفلاحين ، وقد اشتمل مرسوم الأرض على "التوصية الفلاحة بصدد الأرض " والتي اقترحت إقرار شعار الاشتراكيين ـ الثــوريين القائل" بالانتفاع المتساوي للأرض على أساس العمل وقد صرح لينين في تفسير الأسباب التي دفعت البلاشفة إلى قبول هذا الشعار مع أنهم كانوا ضده من قبل :" نحن كحكومة ديمقراطية ،لا يسعنا أن نتجاهل قرار الفئات الشعبية الدنيا رغم أننا لسنا موافقين عليه ... ففي نار الحياة سيدرك الفلاحون أنفسهم أين هي الحقيقة بتطبيقه عمليا ، بتطبيقه في مطامحهم " وبالإضافة إلى مرسوم الأرض وفي نفس المحطة تم إصدار مرسوم آخر هو مرسوم الفلاح الذي تقدم من شعوب وحكومات جميع البلدان المتحاربة بإقتراح عقد هدنة على الفور والشروع بمفاوضات الصلح وفي الوقت نفسه أعلنت الحكومة السوفييتية أنها لا تتقدم بشروطها بشكل نهائي قاطع وإنها مستعدة للبحث في أي شروط أخرى للصلح تتقدم بها أي من الدول المتحاربة .لكن لم ترد أي من الدول الامبريالية المتحاربة على نداء الحكومة السوفييتية .إلا أنه في دجنبر 1917 بدأت في " بريست ليستوفيك " مفاوضات مع الحكومة الألمانية لأجل عقد الصلح ، فوقف الاشتراكيون ـ الثـوريون وكذلك فريق من" الشيوعيين اليساريين " برئاسة بوخارين ضد المفاوضات وطالبو بأن تخوض روسيا السوفييتية الحرب الثورية ضد ألمانيا ،وحين كان تروتسكي في المرحلة الثانية من مفاوضات الصلح رئيس الوفد السوفييتية لن توقع الصلح .وأعلن أن روسيا السوفييتية لن توقع الصلح وأنها توقف الحرب وتسرح الجيش وهكذا انتقلت ألمانيا إلى الهجوم مما أدى إلى توقيع الصلح وأنها فيما بعد كما تنبا لينين بشروط أشق . وفي 24 يناير 1918 اتخذ مكتب بمقاطعة موسكو الذي كان يرأسه تروتسكي قرارا بحجب الثقة عن اللجنة المركزية ورفض الخضوع لقراراتها " التي سترتبط اسماهم ب " العناصر الانتهازية المعتدلة داخل الحزب " . والأدهى من ذلك هو ما جاء في النص التفسيري لذلك القرار: وفي مصلحة الثورة العالمية ،نعتبر من العقلاني القبول باحتمال خسارة السلطة السوفييتية التي تغدو الآن شكلية بحتا " . وقد أوضح لينين جوهر هذه المواقف في مقالة رائعة تحمل عنوان » غريب وفظيع « ، جاء فيها أنه إذ ا كان من مصلحة الثورة العالمية تحريم إي صلح كان مع الإمبرياليين فمن وجهة نظر مثل هذه الآراء لا يمكن للجمهورية الاشتراكية في وسط الإمبريالية أن تعقد أي معاهدات اقتصادية ، لا يمكن لها أن توجد إن لم تطر الى القمر .وإذا كانت مصلحة الثورة تتطلب دفعها فإن نظرية كهذه تقطع كل صلة بالماركسية التي أنكرت دائما » دفع « الثورات لأن هذه الأخيرة تتطور وتتنامى بقدر ما تتفاقم التناقضات الطبقية التي تولد الثــورات . وفي ذلك الزمن زمن صلح » بريست« ليتوفيسك حدد أيضا موقفا دقيقا بصدد الاختيارات الإستراتيجية للثورة وللحزب البلشفي فقد ربط إمكانية انتصار الثورة في بلد واحد و إمكانية انتصارها في مجموعة من البلدان .... ولنصل الآن إلى محطة أساسية أخرى من الصراع الذي عرفه الحزب البلشفي بين تروتسكي ولينين والتي ميزت بدابة العشرينات ونقصد بها النقاشات الصاخبة حول النقابات ودورها والتي كشفت عن النزعة العسكرية لتروتسكي في إدارة مؤسسات الدولة ،فخلال المؤتمر العاشر للحزب تقدم تروتسكي ب "كراس ـ منهج " تحت عنوان " دور النقابات ومهامها " اقترف من خلاله تروتسكي مجموعة من الأخطاء النظرية والسياسية.
فعلى المستوى السياسي كان كراسه بمثابة الإعلان عن تأسيس كتلة داخل الحزب وبالتالي توفير الأرضية لخلق وضع التكتلات داخل الحزب والمنضمات العمالية الشيء الذي سيؤدي لا محالة إلى خلق واقع الانشقاقات والذي حصل بالفعل في "التسيكتران" ( اللجنة المركزية للنقابة المتحدة للنقليات الحديدية والمائية )، بعد أن طبق أنصار تروتسكي المستلمون زمام القيادة بها ،الطرائق العسكرية، الإدارية التي نادى بها تروتسكي في كراسه السابق الذكر ،وقد أوضح لينين في ذالك الحين الخطر السياسي من الانشقاق بقوله " واضح أن الانشقاق في وسط البروليتاريا او بين الحزب البروليتاري وجمهور البروليتاريا في بلد تقوم فيه ديكتاتورية البروليتاريا ليس خطرا وحسب ، بل فادح الخطر أيضا ... والحال تعني الانشقاقات في الحركة النقابية ، انشقاقات في جمهور البروليتاريا بالذات " .ومن بين ما أسفر عليه ذالك النقاش الواسع " إن كل من تروتسكي و بوخارين أوضحا 1ـ تناسيا للماركسية تجلى في تعريف اختيـاري غير صحيح نظريا للعلاقة بين الاقتصاد والسياسة ،2ـ دفاعا او تسترا عن ذالك الخطأ السياسي الذي تجلى في سياسة النفض الذي تشرب بها كل "الكراس ـ المنهج " الذي وضعه تروتسكي ،وهذا الخطأ يؤدي إلى سقوط البروليتاريا إذا لم تدركه وتصلحه ،3ـ خطوة الى الوراء في ميدان القضايا الإنتاجية ، الاقتصادية الصرف المتعلقة بكيفية زيادة الإنتاج..." فإذا كان تروتسكي يدعو إلى تدويل النقابات وبذلك يكشف على نزعة بيروقراطية فإن لينين عارض بشدة تلك الدعوة الى التدويل والح على منح النقابات الحق في الدفاع عن العمال ضد الدولة السوفياتية ، باعتبارها دولة عمالية لكن تتسم بسمتين أساسيتين لا يجب إطلاقا إغفالهما .
1
ـ أن الفلاحين لا العمال يؤلفون غالبية السكان.
2
ـ انها عمالية مشوهة بيروقراطيا.
و هاته السمات دفعت لينين الى القول " إن الرفيق تروتسكي يتحدث عن الدولة العمالية ،اسمحوا لي أن أقول لكم إن هذا تجريد ...إن دولتنا بوضعها الراهن توجب على البروليتاريا المنظمة أن تدافع عن نفسها وأن تستخدم المنظمات العمالية للدفاع عن العمال ضد الدولة ولدفاع العمال عن دولتنا ". إذن بعد هذا التوضيح الوجيز جدا للأخطاء النظرية والسياسية التي اقترفها تروتسكي والتي توضح بجـــلاء الابتعاد الكلي عن الفكر اللينيني ،تطرح تساؤلا جوهريا كيف نتعامل مع هذا "الفكر"؟ لنستشهد من اجل الإجابة على هذا السؤال بداية بقول تروتسكي نفسه " إن الواقع لا يغفر غلطة نظرية واحدة" فهل نطلب من الواقع أن يغفر لتروتسكي على تلك الكومة الفظيعة من الأخطاء النظرية ؟ مهما طالبنا فالواقع لن يجيب ولن يلبي ،ونحن غير ملزمين بالمطالبة ولكننا ملزمين بخوض الصراع ضد هذه » النظرية « التي دحضهـــا لينين منذ ولادتها . اولا لإيماننا بسدادة النظرية الماركسية ـ اللينينية في قدرتها على قراءة الواقع بشكل علمي والإجابة عليه بشكل دقيق ،ثانيا للدفاع عن شعار الماركسيين ـ اللينينين المغاربة شعار "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية "كشعار سياسي دقيق للمرحلة التي يجتازها المغرب على اعتبار أن التناقضات الرئيسية بالمغرب لم تدخل بعد مرحلة تستدعي رفع شعار "الثورة الاشتراكية التي يتغنى بها أنصار التروتسكية الذين يعتبرون المغرب بلدا رأسماليا كباقي بلدان أوربا ، شأنه في ذلك شأن باقي دول"العالم الثالث" وهنا ندرج قول لينين للرد على هذه السخافة "إنه لمن المضحك والرجعي مجرد القبول بأن واقع روسيا القيصرية هو نفسه واقع البلدان الأوربية " وعلى العموم إذا كان هذا العرض يهدف الى تحقيق نقطة وحيدة أي نزع القناع عن التروتسكية من خلال توضيح قراءات و تقييم كل من لينين وتروتسكي لأطوار ومراحل الثورة بروسيا وتبيان الاختلاف الجوهري بينهما ،فإن هاته النقطة لن تكون إلا مقدمة أولية وضرورية لطرح النقاش حول الأسس النظرية للتروتسكية كنظرية منفصلة تماما عن اللينينية ، وسنعمل على أن يكون الجزء الثاني من هذا العرض هدفا لتلك المهمة ولو في خطوطها العامة .
فاس: 1999، مناضل قاعدي
مرسل من قبل
الهوامش
.
مقال كتب سنة 1999 من طرف أحد المناضلين القاعديين بموقع فاس .

ـ لينين " مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية"
ـ لينين"حول السياسة القومية و الاممية البروليتارية"
ـ إنجلز " مسألة الفلاحين في ألمانيا وفرنسا"
ـ لينين "المغزى التاريخي للصراع الحزبي في روسيا"
ـ نفس المرجع
ـ إنجلز " مسألة الفلاحين في ألمانيا وفرنسا"
ـ تروتسكي "نتائج وتوقعات"
ـ تروتسكي "الكفاح من أجل السلطة"
ـ لينين "ما العمل"
ـ تروتسكي " الانتلجنسيا والاشتراكية"
ـ لينين "المغزى التاريخي للصراع الحزبي في روسيا"
ـ لينين"ما العمل"
ـ لينين"حول الوحدة"
ـ لينين"حول السياسة القومية و الاممية البروليتارية"
ـ لينين"حول السياسة القومية و الاممية البروليتارية"
ـ لينين "رسائل حول التكتيك"
ـ نفس المرجع
ـ مرجع سابق
ـ مرجع سابق
ـ لينين "رسائل حول التكتيك"
ـ نفس المرجع
ـ نفس المرجع
ـ لينين "عن النقابات"
ـ نفس المرجع
ـ نفس المرجع
ـ تروتسكي "من مقدمة الاشتراكية في بلد واحد"
ـ لينين " بصدد مسائل القومية و السياسة الاممية

سميرأبو رحال