Wednesday, May 23, 2012

اللبرلة اليسارية كرد فعل للرثاثة الماضوية - سيد البدرى

اللبرلة اليسارية كرد فعل للرثاثة الماضوية


اللبرلة اليسارية كرد فعل للرثاثة الماضوية
سيد البدرى
هذا المقال قد تم تاخير نشره لحين تنفس الاستاذ سلامة كيلة لهواء الحرية

وقع الكاتب فى نفس الخطاء الذى اتهم به قطاع من مخالفية الا وهو المنحى الايديولجى الذى يسقط ما بالذهن على الواقع ولان الماركسية فى احدى تعريفاتها هى علم القوانين العامة لتفسير الواقع ومن ثم تغييره انطلق الكاتب وعلى عكس المفترض ليس من الواقع بل المستقبل مقدما نموذجا جديدا للنخب الرثة التى ينتقدها والتى تتمسك بما تم تجاوزه (الماضوية ) ليجسد بطرحة الافتراضى المجافى للواقع ( التساموية ) وفيما هو ينتقد الانطلاق من العام ( تحليل الوضع العالمى ) الى ماهو خاص ( الانتفاضات العربية والوضع فى سورية) يعود وياخذنا من عامه الى خاصه وعامه هذا يرصد التغيرات التى مرت بها الراسمالية فى العقد الاخير وان اتفقنا مع جزء من الرصد ليستنتج مباشرة ان تبدلا كبيرا قد حدث باضمحلال الامبريالية الامريكية والاوربية والتى يسميها (قديمة ) بامبريالية جديدة هى الامبريالية الروسية هكذا وبجرة قلم نقلنا الاستاذ سلامة كيلة من واقع الى واقع جديد وكان مشاهدتنا لنبته صغيرة فى مرحلة النمو يعطينا الحق بالقطع بكونها شجرة كاملة ,ولان الواقع عكس ذلك يسقط الكاتب فى التلفيق لانه يعامل الظواهر بقوانين فى الذهن وليست فى الواقع ويجسد دون ان يدرى المثالية الذاتية بشحمها ولحمها .
والواقع ان ازمة فهم طبيعة التبدلات لامبريالية القرن الحادى والعشرون حالت بين كثير من الماركسيين وتحليل صحيح للواقع فالصراع بين صيغة الامبريالية المنفردة (الامريكية ) والامبريالية المشتركة قديم ولا يعنى ابدا بروز احد الصيغتين انتفاء الاخرى ما بقيت الشروط التى أنتجتها ومنذ عام 2003 سادت صيغة التوافق بين الامبريالية المنفردة (الهيمنة الامريكية ) والامبريالية بالشراكة وتجلى ذلك فى الجمع بين مشروعي طرفا الامبريالية فى مشروع واحد وهو الشرق الاوسط الكبير الموسع ودفعت الازمة المالية فى2008 الى تمتين تلك الصيغة وهذا يفسر للكاتب الدور الاوروبى فى الاستحواذ على الغنيمة الليبية بعدالتدخل العسكرى المباشر للناتو وهنا استخدمت الامبريالية التدخل العسكرى المباشر وليس معنى عدم استخدام التدخل المباشر بالقوة علامة على ضعف أو تراجع كما فى الحالتين المصرية والتونسية فلم يقتصر التدخل الامريكى والاوروبى على استخدام الجيشان التابعان كما ذهب الكاتب بل استخدمت الامبريالية ركائزها الطبقية وما ذرعته من ادوات القوة الناعمةوالتى شرعت الامبريالية المشتركة فى نشرها بالبلدان العربية لتحويل الانتفاضات كوسيلة لاعادة انتاج الانظمة التابعة لها فضلا عن استخدام قوى الاسلام السياسى التى تمثل لها ضمانة لاستمرار التبعية وأداة لتنفيذ مشروع الشرق الاوسط الكبير الذى ادعى الكاتب نهايتة .وها نحن نرى اثاره فى شبح تقسيم ليبيا بعد السودان وتمترس الطائفية والاثنية فى غير مكان
ان نفى الامبريالية الامريكية او المشتركة واحلال الامبريالية الروسية محلهما هو قفز للامام وتجاوزا للواقع فمازال المركز الراسمالى الروسى فى مرتبة دنيا بالنسبة لبقية المراكز وبنظرة سريعة على الميزانية العسكرية الامريكية نجد انها بلغت 720 مليار دولار عام 2011 بزيادة 67% بالمقارنة بعام 2001فضلا عن ان الانفاق العسكرى الامريكى يبلغ 44.3% من اجمالى الانفاق العالمى ويبلغ نصيب روسيا والصين معا 5.31% طبقا لتقرير مركز مراقبة التسلح وعدم الانتشار بواشنطن .أى ان العامل الحاسم مازال يؤكد تصدر المركز الامريكى ,
كان من الممكن تفهم الحديث عن مصالح خاصة للمركز الروسى كامبريالية قومية ناشئة او تشكل محور البريكس
والذى هو الصيغة المناقضة للامبريالية المنفردة والمشتركة كمحاولة لتفكيك منظومة العولمة بشكلها الحالى وتقليم اظافرها فى اهم ادواتها (مجلس الامن ) الذى استخدم اكثر من اثنى عشر مرة فى العقدين الاخيرين لاضفاء الشرعية على التدخل العسكرى المباشر وتبرير الاحتلال لاكثر من دولة .
ان التغيرات الكبرى كاضمحلال مركز امبريالى كبير كامريكا لا يتم تفسيره بالتراكم المنفصل للازمات الهيكلية فى قلب المركز فقط بل ايضا بالتراكم الصاعد فى المركز البديل وهذا ما لم يحدث بعد فى النموذج الروسى .
والقول باستبعاد حل الازمات بالحرب من قبل الامبريالية كالقول بان الاميريالية قد كفت عن ان تكون نفسها .
و تفسير حالة التوافق على انها نهاية للامبرياليات القديمةيعدا استباق لم تتشكل دواعيه بعد ,
وهنا استعير مقطع للمفكر عيداروس القصير الذى يقول

( الحقيقة الأكبر والأبقى هي أن تصاعد العدوان الإمبريالي تكمن وراءه وتدفعه عوامل ضعف وتآكل بنبوية تعمل في قلب النظام، أزمته الهيكلية وتناقضاته الموضوعية التي تزداد استحكاماً وتفقده القدرة على تسيير قوة العمل والشعوب التي يستغلها ويضطهدها ويفقرها إلا بالاستخدام الموسع للقوة العسكرية. فاستنفاذ العولمة لطاقتها أو تراجع هذه الطاقة في التخفيف من وطأة أزمة النظام ينشط المنافسة والتناقض بين الدول الإمبريالية ويزعزع تضامنها وشراكتها ضد شعوب البلدان المستعمرة والتابعة، أي يطور التناقض بين الإمبرياليات القومية مما يضعف بدوره ومرة أخرى الإمبريالية مجتمعة. إن مشروع الهيمنة الأمريكية الإمبراطوري على العالم يعكس في آن واحد رغبة الإمبريالية الأمريكية الجامحة في اللصوصية والسطو على موارد بلدان الأطراف وفائض عمل شعوبها، وتصاعد التنافس بين الدول الإمبريالية حول مغانم وأسلاب النهب الاستعماري، وتشبث أمريكا بالحفاظ على مركزها المهيمن اقتصادياً وعسكريا الذي حظيت به لمدة الثلاث أربع القرن الماضية أمام العوامل التي تدفع في اتجاه فقدانه في مستقبل غير بعيد.)
ان مشاريع اعادة الهيكلة التى انتظمت بها العديد من الدول التابعة نتيجة للضغط المستمر من الراسمالية العالمية وفرض شروط صندوق النقد والبنك الدوليين عليها لا يمكن فهمها الا فى اطار كونها جزءا من خطة تكثيف الاستغلال واستلاب الاطراف كحل للازمة الهيكلية للراسماليةفى المراكز وماكان من الممكن استمرار اشكال الحكم القديمة التى تمثل عائقا امام اعادة الهيكلة من حيث استمرار دور الدولة الذى اصبح عائقا امام اليات العولمةمن هنا كانت وصفة الحكم الرشيد الذى يبنى على ديمقراطية المكونات والمحاصصة دون الحريات واقتصاد السوق دون التنمية المستقلة واللامركزية الداعمة للتشظى دون الدور المحورى للدولة الذى يحافظ على وحدة النسيج الوطنى تلك اهم عناصر مشروع الشرق الاوسط الكبير الذى ادعى الكاتب نهايته.
. كانت محاولات التعجيل بالانتفاضات هو استباقا مقررا لمصادرة شروط نجاحها وتجذيرها ولم تكن الانتفاضات مفاجاة للامبريالية كما ادعى الكاتب بل هناك شواهد عديدة لدورها فى العمل على اشعالها لادراكها بتموضعاتها وأمكانية احتوائها وتوجيهها (لاحظ دور ال NGOs والحركات المندرجة تحت عباءة الثورات الناعمة) .
ولان الامبريالية بتموضعاتها كما يقول الكاتب فقد اوجد نمط الانتاج التابع والحكم الديكتاتورى قاعدته الاجتماعية والثقافية الكفيلة باحتجاز شروط التطور للبلدان العربية والقادرة على اعادة انتاج التخلف طالما بقيت روابط التبعية .
لذا يصبح وصف الانتفاضات العربية بالثورات الديمقراطية الوطنية تزييفا للوعى فى ظل افتقاد تلك الانتفاضات لقيادتها الثورية لتقطع بشكل كامل مع الماضى التابع وتواجه جذر الازمة الا وهو الاستقلال الاقتصادى ومن ثم السياسى وتنتزع الحريات وتقيم نموذج الدولة المدنية يصبح التهليل لانتفاضات يقودها اعدائها والترويج لها انها ثورات كاملة اسقطت انظمة هو الرثاثة بعينها .
ففى مصر وتونس تحولت الانتفاضة التى نادت بالمدنية ودفع الفقراء فيها الثمن من اجل الخبز والحرية الى تكريس الدولة الدينية بمسند من دستور واحزاب على اساس دينى تمثل فى الحقيقة جناح اليمين الدينى من الكمبرادور كضمانة لاستمرار اقتصاد السوق وتستبدل القمع الديكتاتورى بقمع اشد وطاءة منه بمستتد من الاعتقاد
لذا فرؤية ما يحدث بمنطقتنا ومال الانتفاضات العربية دون رؤية العالم يجعلنا نصطف بدون قصدفى معسكر الاعداء , فلا يمكن فهم العالم بدون ان نفهم منطقتنا ولا يمكن فهم منطقتنا بدون ان نفهم العالم
وبدلامن ان يطرح الكاتب علينا رؤية لاستنهاض الوضع الثورى وقيادته الثورية يهلل فقط لمجرد اسقاط رؤوس الانظمة ويصف كل منتقدية بانهم اصحاب نظرية المؤامرة وبصرف النظر عن انه لايوجد شيىء اصلا يسمى نظرية المؤامرة فهنا تساؤل لماذا هذا التحاسس عند ذكر لفظة امبريالية هل هى مؤامرة ايضا ؟
ليس هذا فحسب بل ان الكاتب يدعونا لاصطاف ديمقراطى يقوده اليمين الدينى الفاشى واصطفاف وطنى يقوده مجلس اسطنبول المتحالف مع الامبريالية وصديق الكيان الصهيونى .
ويرفض الكاتب اى محاولة للدعوة لطريق التغيير السلمى من قبل رفاق له قدموا رؤية تعد الافضل فى رصد واقعهم وافاق تطور الانتفاضة السورية (جبهة طريق التغيير السلمى ) التى تشكل بالفعلنواة لاصطفاف مع الشعب فما مبرر القصووية الا قوة على الارض وقيادة حاسمة وهو ما لم يتوافر بعد والا يصبح الحديث عن اسقاط الانظمة دون جهوزية ثورية يصب فى مصلحة الاعداء وطحنا فى رحى النيوليبرالية

سيد البدرى
 
مرفق اصل مقال الاستاذ سلامة كيلة

هل تُسقط الانتفاضات العربية النخب الرثة أيضاً؟

سلامة كيلة

من المنظور المنطقي، كان تغليب «الاستراتيجي» على الواقعي جزءاً من إشكالية فهم الوضع السوري تعيشها النخب الماركسية، وهو المنظور الذي يمكن أن نسميه مع ياسين الحافظ المنظور السياسوي، إذ ظهر أنّ «التموضعات العالمية» هي التي حكمت النظر إلى ما يجري في سوريا، وكان وجودها في موقع مختلف مع الدول الإمبريالية «القديمة»، وفي علاقات حسنة أو تحالف مع قوى تتصارع مع هذه الإمبريالية، هو الذي يقود إلى استنتاج سريع بأنّ ما يجري هو «مؤامرة إمبريالية».
ولا شك في أنّ الإمبريالية الأميركية عملت منذ ما بعد احتلال العراق على تغيير السلطة في سوريا من منظور المشروع الهادف إلى السيطرة على المنطقة، والذي سمّي مشروع الشرق الأوسط الموسّع. وبالتالي، من المنظور السياسي كان واضحاً أنّ الميل الإمبريالي الأميركي للسيطرة على العالم، استهدف وضع السلطة السورية. ولقد جاء اغتيال رفيق الحريري في سياق الضغط من أجل تغيير تلك السلطة. هذه حقائق لا بد من أن تكون واضحة، وهي تشير إلى أنّ وضع النظام السوري لم يكن قد تكيّف مع العولمة الإمبريالية وخضع لسيطرتها وفق الأسس التي تبلورت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، والقائمة على تشكيل نظم «طوائفية»، كما جرى في العراق.
وإذا كانت السلطة قد سهّلت لسيطرة «رجال الأعمال الجدد» (ناهبي القطاع العام قبلاً)، وسمحت بسيطرة اللبرلة وفق الوضع الاقتصادي الذي تفرضه مؤسسات العولمة (صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والشراكة الأوروبية)، وفي مصلحة أقلية عائلية خصوصاً، فإنّ تجاهل «الأزمة المالية العالمية» في 2008 (التي هي أزمة الرأسمالية ذاتها) سوف يبقي التحليل ذاته قائماً، ويفضي إلى الإكثار من الحديث عن الإمبريالية وعن المؤامرة، ويقود «حتماً» إلى اعتبار أنّ كل ما يجري في سوريا هو «مؤامرة إمبريالية». المقاربة السياسية لم تسمح بفهم عمق الأزمة هذه، ولا تشكك في أنّ وضعاً عالمياً جديداً يتشكل. ذلك رغم أنّ البعض ضخّم من الانهيار الأميركي وانتصار الممانعة، لكنّه الآن نسي كلّ تحليله المضخّم. وبالتالي ما يجب فهمه هو طبيعة الوضع العالمي الآن، وهل أنّ السياسات الإمبريالية لا تزال كما كانت قبل 2008 أم تغيرّت؟
لقد جرى التركيز بعد 2007 على «هزيمة أميركا في العراق»، حينما قررت الولايات المتحدة توقيع اتفاق «الانسحاب» منه، وعلى تحوّل ميزان القوى الإقليمي لمصلحة قوى الممانعة بعد هزيمة الدولة الصهيونية في لبنان في تموز 2006. لكن حين مسّت الانتفاضات سوريا، جرى التعاطي وكأنّ الوضع هو كما كان منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991. وبالتالي عاد الجميع إلى تذكّر «مشروع الشرق الأوسط الجديد»، والتعاطي وكأنّ أميركا لا تزال في «عز» قوتها، وأنّ الوضع العالمي لا يزال خاضعاً لسطوتها. ورغم التهويل اليوم من دور روسيا، لا ينظر إليها كإمبريالية بل كحليف كما في زمن الاتحاد السوفياتي، رغم أنّها هي الآن إمبريالية. وهذا أحد المتحوّلات التي حدثت بعد أزمة 2008. فقد أدت الأزمة إلى تضعضع وضع أميركا الاقتصادي، وخطر انهيارها بعد انفجار فقاعة الرهن العقاري في 15 أيلول/ سبتمبر 2008. وأفضى حلّ أزمة الديون التي تراكمت لمصلحة البنوك التي باتت مهددة بالانهيار، إلى تراكم مديونية الدولة الأميركية، ووصولها إلى مرحلة الخوف من انهيار الدولة. ولحقت أوروبا بأميركا، من خلال أزمة بنوكها التي فرضت على الدول سداد الديون، ما راكم مديونية هائلة على الدول. ولهذا سارت الدول في سياق خطط تقشفية شديدة التأثير على الشعوب. فبات العالم دون قوة مسيطرة، كما حدث بعيد انهيار الاتحاد السوفياتي، وظهر أنّه يتشقق إلى محاور، ويؤسس لـ«تعددية
قطبية».
ورغم استمرار إدارة باراك أوباما في هجومها سنتي 2009 و2010، فقد ظهر أنّها لم تعد قادرة على ذلك بعدما تراكمت المديونية على الدولة بما جعلها أكثر من الدخل القومي. كما أفضت الأزمة إلى تلمس الولايات المتحدة بأنّ «الحل السحري» لمشكلاتها، القائم على الحروب، لم يعد مجدياً، لأنّ الأزمة ذاتها ليست أزمة تقليدية، كانت الحرب هي الوسيلة المثلى للخروج منها. بل هي أزمة نتجت من هيمنة المال على الرأسمال الذي ظهر عبر الدور الحاسم للمضاربات المالية (في أسواق الأسهم، وعلى السلع الغذائية والنفط وغيرها) وسيطرة التوظيف في المشتقات المالية، وهو الوضع الذي جعل الرأسمالية في وضع انحداري بالضرورة.
انعكس ذلك في تغيير الاستراتيجية العسكرية للولايات المتحدة، بالتراجع عن عنجهية خوض حربين كبيرتين وحروب صغيرة عديدة في الآن ذاته (استراتيجية رامسفيلد وزير الدفاع في عهد بوش الابن)، والتأكيد على خوض حرب واحدة فقط، ومن ثم تركيزها على منطقة الهادئ، وحصر سيطرتها على الشرق الأوسط بالدور الخاص بالطيران، وتمركز قوات في بعض البلدان الخليجية. وتم تقليص عدد القوات وتقليص ميزانية الدفاع. ولا شك في أنّ الخوف من انفجار «فقاعة جديدة» يسيطر على كل الساسة والاستراتيجيين في أميركا. فالأزمة الاقتصادية لم تعد تحل بالحرب، واقتصاد أميركا أصبح عبئاً على الرأسمالية نتيجة تمركز الكتل المالية الناشطة في المضاربات فيها، وتراجع وضعها الصناعي إلى حد كبير، واعتمادها أكثر فأكثر على الاستيراد، وطباعة كتل ضخمة من الدولارات أكثر مما بات يحتمل العالم. ورغم أنّ روسيا تأثرت بالأزمة المالية، إلا أنّها لم تصبح ضحيتها كما هو الوضع في أميركا وأوروبا. واستفادت الصين من الأزمة في مدّ سيطرتها إلى أوروبا ومناطق أخرى. وأخذت بعض البلدان التي كانت قد حققت بعض التقدم سابقاً، مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا (وحتى تركيا) تتجه إلى أن تفرض قوتها في العلاقات الدولية، ويصبح كلّ منها قطباً جديداً.
في ظل تلك التمحورات، ومحاولات التموضع العالمي، أتت الانتفاضات العربية. أميركا سارعت إلى احتوائها بعد لحظات الرعب التي عاشتها، وكان ذلك سهلاً عليها في كل من تونس ومصر، حيث كانت قيادات الجيش على «علاقات وثيقة» مع الإدارة الأميركية. لعبت في ليبيا واليمن لإطالة أمد الصراع والإفادة منه في تفكيك البنى المجتمعية لإضعاف الدول والسيطرة على مسارها. لكن حين وصل الأمر إلى سوريا، كانت التحوّلات العالمية أصعب من أن يكون لها تأثير فيها. فقد كان وضع أميركا الاقتصادي أصعب، إذ لم يجر تجاوز الأزمة بعد سنتين ونصف من نشوبها، وكانت روسيا قد بدأت سياسة هجومية بعدما «لعب عليها الغرب» في المسألة الليبية. هذا الوضع غيّر من كل السياسات، وبالتالي لم يعد «مشروع الشرق الأوسط الجديد» مطروحاً، أو قابلاً للتطبيق. وأصبحت كل ممكنات التدخل أو الحرب أو السعي لتغيير السلطة مستحيلة. وإذا كان لم يعد ممكناً تحقيق انقلاب داخلي (بعد فشل محاولة غازي كنعان/ عبد الحليم خدام)، فإنّ البديل هو التدخل العسكري، وهذا أصعب، ليس فقط لأنّ أميركا تنسحب، بل لأنّ أي تدخل هنا يعني التحوّل إلى حرب إقليمية ليس من قدرة عليها، وخصوصاً حين تكون مدعومة من روسيا، التي فرضت أن تكون سوريا حصتها في إطار السعي الجديد لتحقيق تقاسم العالم.
لذلك، لا يكفّ مسؤولو البلدان الإمبريالية عن التأكيد على أنّ خيار التدخل غير مطروح على الإطلاق. ولأنّ الوضع كذلك، ظلت الولايات المتحدة تماطل في الموقف من السلطة السورية لأشهر عديدة. وسمحت للحكومة العراقية بأن تدعم هذه السلطة، رغم أنّ العراق هو تحت الاحتلال (كان ولا يزال). وبالتالي، فإن كل مقاربة لا تتوقف عند كل هذه المتغيّرات لن تكون جديرة بفهم ما يجري، لا في سوريا ولا في كل الوطن العربي. ولن يفيد في ذلك التكرار الممل لكلمة الإمبريالية، أو الترداد الببغاوي لمصطلح المؤامرة. فالإمبريالية تتموضع في بنية المجتمع من خلال النمط الاقتصادي الذي يطابق مصالحها، وهذا ما تحقق في سوريا، لكن هذه المرة بدعم الرأسمال الخليجي والتركي والإمبريالية الروسية. بينما لا بد من أن نتخلص من كل إمبريالية، وخصوصاً أنّ التدخل الإمبريالي بات يتحدد في الدور الذي تقوم به روسيا لدعم السلطة، وتبرير كل جرائمها. لقد انتهى عصر التفرّد الأميركي، وبات النظام الرأسمالي ضعيفاً ويعاني من غياب المركز المسيطر، وبالتالي أخذت الرأسماليات في إعادة موضعة ذاتها بما يجعلها قوة أساسية في عالم ينحو نحو التعددية القطبية، رغم أنّه يظهر الآن منقسماً إلى قطبين: أميركا/ أوروبا من جهة، وروسيا/ الصين من جهة أخرى. ومع نهاية التفرّد الأميركي، انتهى «مشروع الشرق الأوسط الجديد»، وأصبح صعباً على الرأسماليات القديمة التأثير الجدي في المسار الذي سيسير فيه الوطن العربي. في هذا الوضع، هل من إمكانية لتدخل عسكري، أو دعم عسكري للمعارضة؟
هذا هو طريق المؤامرة الممكن، وهو طريق التدخل في الشأن السوري. وهي الحجج التي تساق لاعتبار أنّ ما يجري في سوريا هو «مؤامرة إمبريالية». أما أن الإمبريالية تتخذ مواقف مما يجري فهذا أمر «عادي»، وتحاول الضغط أو التأثير في الأحداث فهو كذلك أمر «طبيعي». إلا إذا اعتبرنا أنّ على الإمبريالية أن تصمت. رغم ذلك أشرنا إلى التردد الأميركي من اتخاذ موقف واضح من رحيل السلطة إلى فترة قريبة، وميوعة موقفها مما يجري. ولا شك في أنّ وضعها العالمي في جذر هذا الموقف، فهي غير قادرة على التدخل العسكري (ربما لو نشأ الوضع الراهن سنة 2005 أو 2006 كان يمكن أن تتدخل قوة)، وخصوصاً أنّ التدخل في سوريا يمكن أن يفضي إلى صراع إقليمي يحتاج إلى أكثر من تدخل محدود، بل إلى حرب كبيرة، وهذا ما لا تستطيعه أميركا ولا الحلف الأطلسي. أما التسليح فلن يكون أكثر من دعم هامشي إذا قررت، لأنّه يحتاج إلى منطلق هو غير موجود، لا في تركيا ولا في الأردن ولا في العراق ولبنان. لأنّ كل دعم من خلال أي منها يمكن أن يؤدي إلى حرب، وهو ما لا يبدو ممكناً.
هل نعتمد التصريحات التي تصدر من مسؤولي هذه الدول أو نلمس الواقع ونتلمس الوقائع؟
كل الذين ينطلقون من «نظرية المؤامرة» يعتمدون بعض التصريحات التي تطلقها المعارضة السورية أو بعض التسريبات دون لمس الواقع وممكنات أي دور عملي. تلك مشكلة مزمنة لدى «النخب»، لكنّها تتكرر بشكل كاريكاتوري في الوضع السوري. فالموقف يُبنى على التصريحات والتسريبات والتخمينات والنيات، لا على دراسة الوقائع، وفهم ممكنات الواقع، ويؤخذ من كلّ ذلك ما يناسب تحليلاً مجهّزاً مسبقاً. لهذا، بدت المواقف كأنّها خارج سياق الواقع، وفي تناقض معه، وصل إلى حد المهزلة. فالوضع الدولي لا يشير إلى أي إمكانية لتدخل عسكري أو حتى تسليح المعارضة، و«النخب» تنطلق من أنّ التدخل العسكري قائم، والتسليح في أعلى مراحله. ويجري السكوت عن الدموية التي تمارسها السلطة، وتصوّر الانتفاضة كفعل لعصابات مسلحة، استناداً إلى الصورة التي تعممها السلطة ذاتها كونها في الموقع «الممانع». إذاً، المنطق الصوري هو الذي يؤسس لهذه «الجريمة» التي تمارسها بعض النخب، حيث تظل الإمبريالية كشيء جوهري ثابت، ويظل الوضع العالمي منقسماً كما كان، حتى إنّه لا يمكن التفكير بأنّ روسيا تخلت عن أن تكون اشتراكية وأصبحت إمبريالية. لهذا، لا الأزمة الاقتصادية العميقة للإمبريالية أثّرت، ولا جرى الاستنتاج إلى ما يمكن أن توصل إليه. ولا أثّر ذلك، بالتالي، على ميزان القوى العالمي، ومقدرة القوى الإمبريالية فيه. ومن ثم لم يُلحظ التحوّل في الوضع العالمي منذ أيلول/ سبتمبر 2008، حين انفجرت الأزمة المالية للرأسمالية، والتي كانت أعمق من أن تحدَّد بطابعها المالي فقط، بل هي أزمة الإمبريالية وهي «تتعفن» حقيقة. وعلى ضوء ذلك، بدأ انفلات المحاولات لفرض «نظام عالمي» جديد.
هل من رثاثة أكثر من ذلك؟ ربما كانت الانتفاضات العربية ستسقط، لا النظم فقط بل هذه النخب كذلك. وربما كانت هذه النخب قد تلمست أن هذه الانتفاضات هي انتفاضات على منطقها كذلك، لهذا باتت تدافع عن آخر معاقل منطقها القديم. فقد نما الاحتقان في العمق، ومن طبقات انسحقت إلى حدّ «الموت جوعاً»، لم تكن تراها تلك النخب من قبل، لأنّه كان يجب إزاحة أكوام من «الزبالة الذهنية» التي كانت تقف عائقاً أمام رؤية هذا العمق. وهو ما كان مستحيلاً. لهذا، فإنّ هذه الموجة الناهضة من العمق سوف تزيل كل ما فوقها، من فئات مسيطرة، وأفكار، ونخب    .

 2012/5/23

No comments:

Post a Comment