Thursday, May 17, 2012

لمسات تنويرية

لمسات تنويرية
  ميلاد سليمان
لمسات تنويرية
 حينما تبدأ الفكرة، من الفراغ كإبداع وسبق، وممّا قبلها كتراكم وتخمُّر، تختلف من شخص لآخر بحسب تلقيه وطريقة تعبيره عنها وكيفية إيصالها، فهناك الكاتب الذي يستطيع التعبير عنها في لغة رصينة مُنسقة وعبارات واضحة سهلة، وهناك الموسيقي الذي يضعها في مقطوعة موسيقيّة آية في الجمال والطرب، وهناك الفنان الذي يجسدها في منحوتة أو لوحة لم يُر مثلها من قبل... وهكذا. الآن لديك فكرة ترغب في التعبير عنها، تريد لها الانتشار والصمود والبقاء لفترة أطول، حتى يظهر بعدها، ومعها، ما ينفيها أو يؤكدها، إذن كيف تفعل ذلك؟.ـ

خبرة التلقي هي أول ما يجب النظر له في أساسيّات عرض الفكرة، من حيث تصوُّر نفسك في مكان من تحدثهم، من خلال عملية تقمص فوري لخبراتهم وإدراكهم، هذا بجانب النظر إلى عددهم، وأعمارهم وجنسهم، كذلك المستوى التعليمي لكل فرد، والعادات والتقاليد الخاصة بالمتلقي، ونوعه وعرقه؛ هذا ليس على سبيل التمييز والتفرقة، ولكن لإحترام الخصوصية المعرفية لكل فرد. كذلك مستوى الخبرة اللغويّة، ويشملها اللهجة. فحديثك مع المصري يختلف عن حديثك مع أي مواطن عربي أو غير عربي آخر.  ـ
التمهيد للمادة المعروضة، فلا شيء يضايق المتلقي أكثر من الإعادة والتفصيل والتكرار في موضوع يعرفه أو سبق له التعرض له، فكم من مقالة عن الليبرالية والعلمانية وختان الإناث والتحرش والإلحاد جميعهم تم كتابتهم على سبيل حرق الكلام والاستعراض ومضيعة الوقت وكأنها موضوعات الساعة الشاغلة الناس بلا توقف!!!؟. بالتالي يتأفف المتلقي القارئ ويطلب منك في هدوء أن "تجيب من الآخر"، أو يسألك بتوتر "إيه خلاصة الكلام!!؟"، بالتالي حاول إستنباط ومعرفة درجة وعي المتلقين بموضوعك كنقطة هامة جدًا قبل الطرح ومدى اهتمامهم به، فلا اكتب دراسة في السودان عن تقليل أموال التأمين الصحي في روسيا!!!؟. وقد يكون من الجيد في بدايّة حديثك، المقروء، المسموع، أن تضع أرضية معرفية مشتركة بينك وبين من معك من خلال بعض التساؤلات لترى الإجابات الذهنية المختلفة المُقدمة منهم، حتى تختصر فيما يعرفونه، كذلك بيان، بشكل غير مباشر، أن الغرض من الفكرة ليس الإقناع أو التعليم أو التوجيه والحشد، ولكن التنوير وإثارة القضية وإيصال رأيك بحرّية.ـ

لماذا تقرأ المقال!!؟، هل لأنك تبحث عن معلومة أم لأننا أصدقاء، أو ربما لأنني قمت بالإشارة لك فيه "تاج" وبالتالي وضعتك أمام موقف مُحرج!!؟.  أم تخشى تبدي عدم إعجابك فتجد الناس تلومك وتتهمك أنك لم تفهم مغزاه العميق!!؟، هل ستندم في نهايته أنك لم تجد ما تبحث عنه!؟، هذا بإعتبار أنك تتحرك من خلفية مُوّجهة نفعية وتعرف ما تريده جيدًا!؟، طبعا صياغة المقال تختلف في تلقيها من شخص لآخر، وربما عند الشخص نفسه من حال إلى حال، فهناك الحكم الأول على ما قرأته، ثم معاودة القراءة من جديد. البعض يحب المقالات الطويلة ذات الفقرات القصيرة والصور الكثيرة، والبعض يحب مقالة الوجبات السريعة في خمسة دقائق. والبعض يبحث  عن تلطف الحوار بإسقاطاته، على كل حال إكتب فكرتك دون النظر لما يطلبه القراء.ـ

 
مكان عرض الفكرة يؤثر في قوتها وإنتشارها، ربما، فمقالة مكتوبة على الفيس بوك سيقوم الناس بالدخول لقراءتها من خلفيات وعقليات معينة، تختلف طبعا عن القراء الذين سيأتون من نشر نفس المقال في جريدة رسمية حكومية أو في شريط عرض أحد القنوات الفضائية.  بالتالي تهيئة المادة المناسبة للطرح في أي مكان أمر صعب، ولكنه ليس مستحيل.
 عنصر الوقت سيساعدك على معرفة تركيز القراء أو المستمعين لك. أنا أعرف الآن أنك تقرأ هذا المقال وأنت منغمس في الشات مع أصدقائك، وربما اقترب موعد نومك، وربما تنتظر قراءة بعض التعليقات لتؤثر في شكل تعليقك، وإن كان في جريدة مثلاً هل سيعرض المقال في الصفحات الداخليّة للصحيفة، هل إسمي مُدرج في محرك البحث للوصول لي ولمقالاتي بسهولة!!؟، غالباً لن يلتفت القراء لمقالي مالم يكن عنوانه جذابًا، وربما صادمًا في أحيان كثيرة.ـ

الآن يمكنك أن تعبّر عن فكرتك، إعرضها بلا تردد.. جرّب ولن تخسر الكثير

No comments:

Post a Comment