Wednesday, May 16, 2012

توثيق خاطئ للحركة الشيوعية المصرية يقوم على الظن والتخمين

توثيق خاطئ للحركة الشيوعية المصرية يقوم على الظن والتخمين


توثيق خاطئ للحركة الشيوعية المصرية يقوم على الظن والتخمين
حول المجلد الثاني من وثائق الحركة الشيوعية المصرية
د/احمد القصير 
حول المجلد الثاني من وثائق الحركة الشيوعية المصرية

1-
تقديم:
نشر "مركز البحوث العربية للدراسات العربية والأفريقية والتوثيق" المجلد الثاني من وثائق الحركة الشيوعية المصرية. وتم النشر في عام 2008. ويقع المجلد في 480 صفحة من القطع الكبير، ويحتوي على وثائق تخص السنوات 1952 – 1953. وكان المجلد الأول قد صدر في عام 2007 في 504 صفحة، وشمل وثائق خاصة بالفترة 1944 – 1952. ويضم المجلد الثاني 86 وثيقة من بينها 78 وثيقة خاصة بمنظمة "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني" المعروفة باسم "حدتو".

2-
موضوعات رئيسية بالوثائق:
تتعلق الوثائق الخاصة بحدتو بنشاطها في عدة مجالات من بينها المجال التنظيمي الحزبي ومجال الأعمال الجماهيرية علاوة على مجال ثالث هو مشاركة حدتو في فعاليات المنظمات الديمقراطية الدولية الطلابية منها والشبابية والعمالية بالإضافة إلى فعاليات حركة السلام العالمية. وشمل مجال النشاط الحزبي موضوعات لها علاقة بالكفاح المسلح في منطقة القنال عام 1951، والموقف من الأحلاف العسكرية الغربية، والموقف من قيام ثورة 23 يوليو 1952. كما شمل مجال النشاط الحزبي مطالبة حدتو من خلال اللجنة التاسيسية للاتحاد العام للنقابات بدءا من 1 أغسطس 1952، أي بعد أسبوع من قيام الثورة، بتحقيق العدالة الاجتماعية وإلغاء الأحكام العرفية وإعادة الحياة البرلمانية فورا.

3-
محمد نجيب "أعلن احترام الحريات فأعدم خميس والبقري":
تبين الوثائق حدوث توتر بين حدتو ورجال ثورة يوليو بعد إعدام خميس والبقري زعيما عمال كفر الدوار في 7 سبتمبر 1952. وعكس عدد من الوثائق الدفاع عن حق العمال في الإضراب والمطالبة بالحريات العامة، ودعوة ضباط الجيش وجنوده إلى النضال المشترك لتطبيق برنامج الضباط الأحرار. وكان ذلك البرنامج يدعو إلى النضال ضد الاستعمار ومن أجل الدستور والحياة النيابية ومن أجل تحقيق الديمقراطية. كما تبين الوثائق تصاعد المطالبة بالحريات بعد قيام مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 في منتصف يناير 1953 بإلغاء دستور 1923 وقيامه فور ذلك بمطاردة واعتقال قيادات حدتو.
ويتضح من تلك الوثائق تحول حدتو للمعارضة ومطالبتها بإسقاط الحكم العسكري. وقد أدانت إحدى الوثائق اعتقال الضابط أحمد حمروش ويوسف صديق عضو مجلس قيادة الثورة، وطالبت بالإفراج عنهما وعن كافة المعتقلين. وجاء في هذه الوثيقة إن محمد نجيب، أي رئيس مجلس قيادة الثورة آنذاك، "أعلن حمايته للدستور ثم ألغاه، وأعلن احترام الحريات فأعدم خميس والبقري واعتقل الأحرار، وأعلن احترام الأحزاب السياسية ثم حلها".
ودعت وثيقة ثالثة لحدتو إلى الإفراج عن يوسف حلمي سكرتير أنصار السلام والشاعر كمال عبدالحليم. كما شمل المجال الحزبي موضوعات أخرى من بينها قضية توحيد الشيوعيين، والكفاح الفكري، والخلافات الحزبية الداخلية وانقسام حدتو في منتصف عام 1953. ويلاحظ أن بعض الخلافات داخل حدتو آنذاك كانت بشأن إصدار مجلة "الغد". فقد كان سيد سليمان رفاعي سكرتير عام المنظمة يقف ضد إصدارها. لكن كمال عبدالحليم وبقية القيادة أصروا على إصدارها. وهو ما حدث بالفعل.
وغطت الوثائق المتعلقة بالنشاط الحزبي لحدتو أيضا مراسلات قادة حدتو مع مجموعة روما في باريس التابعة للمنظمة وتبادل الرأي معها في شأن بعض القضايا. أما الوثائق الخاصة بالأعمال الجماهيرية لحدتو فقد غطت، على سبيل المثال، النشاط الخاص بتأسيس اتحاد عام لنقابات العمال إضافة إلى النشاط في مجال الطلاب والشباب علاوة على قضايا أخرى يتعلق البعض منها بالصحف والمجلات العلنية لحدتو مثل "الملايين" و"الغـد" و"الميـدان". إن وثائق هذا المجلد النادرة تلقي الكثير من الضوء على تطورات تلك الفترة من حياة مصر.

4- "
مجموعة روما" وحدة حزبية تابعة لحدتو:
حصل الناشر على صور الوثائق الخاصة بمنظمة حدتو وعددها 78 وثيقة من أرشيف مجموعة روما المودع في "معهد التاريخ الاجتماعي" بامستردام بهولندا. أما بقية وثائق المجلد البالغ عددها 8 وثائق فقد تم الحصول عليها من أفراد بينها وثيقة واحدة تخص منظمة "نحشم"، أي "نحو حزب شيوعي مصري" و7 وثائق خاصة بمنظمة "طليعة العمال".
وينبغي التنويه بأن "مجموعة روما" كان مقرها في باريس، وهى عبارة عن وحدة حزبية كانت تابعة لمنظمة حدتو. غير أنه غاب عن القائمين على نشر المجلد الإشارة إلى ذلك، بل ذكروا ما يثير الالتباس عند القارئ؛ فقد قالوا في تعريفهم بكل وثيقة من تلك الوثائق إن مصدر الوثيقة هو: "وثائق مجموعة روما من المعهد الهولندي"
وهذا الكلام أو التعريف غامض وخاطئ لا يفيد شيئا، بل يضلل القارئ. فإن المعهد الذي تم إيداع تلك الوثائق به لا يحمل اسم المعهد الهولندي وإنما اسم "المعهد الدولي للتاريخ الاجتماعي" بامستردام. وهي مدينة هولندية. وفضلا عن ذلك فإن القول بأن مصدر الوثائق هو "وثائق مجموعة روما" دون تعريف تلك المجموعة يجعل القارئ يتصور أن تلك المجموعة أجنبية وليست مصرية.
كانت حدتو ترسل وثائقها ومطبوعاتها إلى باريس ليتم حفظها هناك بدءا من عام 1951. وبهذا تجمعت وثائق نادرة. وجرى في الفترة 1992 – 1995 إيداع تلك الوثائق في ذلك المعهد لكي يستفيد منها الباحثون. ونود أن نشير هنا إلى أن مجموعة روما كانت تضم حوالي خمسين عضوا من بينهم: هنري كورييل، يوسف حزان، ريمون استامبولي، جويس بلاو، سارة بلاو، ريمون بريوتي، هاجوب باتمنيان، ديدار فوزي، مراد عثمان خلاف، وحلمي سلامة موسى.
وينبغي التنويه هنا بأن يعقوب باتمنيان عضو مجموعة روما كان عضوا بالحزب الاشتراكي الفرنسي واستطاع الحصول على خطة وموعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وقامت مجموعة روما بنقل هذه المعلومات إلى جمال عبدالناصر عن طريق كل من خالد محي الدين ويوسف حلمي وثروت عكاشة. وكان الثلاثة في أوروبا آنذاك.

5-
أخطاء تشوه الوثائق وتخلق صعوبات للباحثين:
يحتوى المجلد على وثائق بالغة الأهمية. لكن تم نشرها بطريقة تضلل القارئ وتثير إشكاليات لمن يريد الاستفادة بها. ويبدو أنه لم تتم قراءة تلك الوثائق قراءة متأنية لفهم محتوياتها جيدا وتصنيفها بناء على ذلك. كما أن البعض منها غير مقروء نتيجة خطأ في تصويرها. وفضلا عن ذلك جاءت التعريفات التي تم بها تقديم كل وثيقة قاصرة أو خاطئة. كما تم وضع تواريخ خاطئة قائمة على الظن لعدد كبير من الوثائق، وتختلف هذه التواريخ القائمة على الظن والتخمين عن التواريخ الفعلية التي تحملها بعض الوثائق، كما تتناقض مع المعلومات الواردة في البعض الآخر. ويشير كل ذلك إلى عملية تعجل وإلى عدم معرفة الذين أعدوا هذه الوثائق للنشر بالقضايا التي جاءت في تلك الوثائق. ويبدو الأمر وكأننا أمام مقاولة تم التعجل لإتمامها بغض النظر عن سلامة البناء. إننا أمام ما يشبه الهوجة وليس عملية توثيق.
وفي ظل تلك الهوجة لم تتم الإشارة إلى مصدر بعض الوثائق مع أن مصدرها هو أرشيف مجموعة روما. ونعني بذلك الوثائق المنشورة بالصفحات 250 و 281 و 283. كما أن الوثيقة المنشورة بصفحة 345 تم تقديمها على أنها تخص منظمة "حدتـو" مع أنها تخص منظمة "طليعة العمال". كما أن مصدر هذه الوثيقة يحتاج إلى إعادة تدقيق. وعلاوة على كل ذلك فإن فهرس المجلد لم يسلم من خطأ في الطباعة. فقد تآكلت بعض الأحرف في بدايات سطور صفحته الثانية نتيجة خطأ في الطباعة. كما تآكلت لنفس السبب بعض أحرف من نهايات بعض السطور التي تم بها تعريف الوثائق.

6-
لجنة توثيق غير مؤهلة:
نعتقد أن تلك الأخطاء تعود إلى أن اللجنة التى قامت بالتوثيق غير مؤهلة لهذه العملية. كما أنها لم تتمكن، على سبيل المثال، من فهم بعض الوثائق ولم تستطع تصنيفها. وبالتالي لم يتم نشرها على نحو يتيح للقارئ أو الباحث الاستفادة منها على نحو صائب. وفضلا عن ذلك قام أحد أعضاء تلك اللجنة بتقديم بعض الوثائق بعبارات وتعليقات غير موضوعية. وعلى سبيل اتهمت بعض تلك التعليقات بعض الوثائق بالتحيز.
ولا ندري كيف سمح الذين أشرفوا على نشرها، وبينهم أستاذ مرموق في التاريخ هو الدكتور عاصم الدسوقي، بأن يتم وصف أي وثيقة بأنها متحيزة دون أن يقوموا بتحقيق تلك الوثيقة وما جاء فيها. إن الذين أعدوا الوثائق للنشر غير متخصصين ووقعوا في أخطاء عديدة. كما أن بعض الذين أشرفوا على إعدادها للنشر ليس لديهم صلة لهم بالحركة الشيوعية ولا يعرفون تاريخها ولا تطوراتها. بل إنهم ضد هذا التاريخ. كما أن البعض الآخر منهم كان هامشيا في تلك الحركة وليس له علاقة بالوثائق التي تم نشرها. وفضلا عن ذلك لم يشترك في إعدادها للنشر أي شخص من الذين لهم صلات وثيقة بتلك الوثائق.

7-
استبعاد أًًصحاب البيت:
لقد ذكر د.عاصم الدسوقي في المقدمة التي كتبها للمجلد أسماء الأشخاص الذين قاموا بقراءة الوثائق وتصنيفها وإعدادها للنشر، ولا يوجد بينهم أي شخص ينتمي إلى حدتو. حدث ذلك مع أن أكثر من 90 في المائة من الوثائق يتعلق بحدتو. وهو ما أدى إلى الوقوع في أخطاء عديدة. ومن الغريب أن يتم عرض الوثائق على أشخاص غير معنيين ولا يعرفون التاريخ ولا يتم عرضها على الذين لهم صلة بتلك الوثائق وموضوعاتها. فقد كان من المفترض أن يتم عرضها على الذين كانوا ضمن قيادات حدتو وكوادرها. وما زال العشرات منهم على قيد الحياة. وفضلا عن ذلك كان من المفترض أيضا أن يشارك في قراءة الوثائق وفي عملية إعدادها للنشر كوادر حدتو الذين كانت لهم صلات وثيقة بمجموعة روما وأرشيفها. إن هذا الأمر يطرح أكثر من علامة استفهام. ويمكننا الآن أن نطرح أمثلة لبعض الأخطاء أو أشكال القصور التي جاءت في هذا المجلد لكي يتم تفاديها عند إعداد المجلدات التالية من وثائق الحركة الشيوعية المصرية للنشر.

8-
أخطاء في تصوير الوثائق:
إن من الخطأ القول بأن السبب في أن بعض الوثائق غير مقروء هو أنها كانت مطوية لفترة طويلة. فإن عدد الوثائق المطويلة ضئيل. أما الوثائق الأخرى البالغ عددها 78 وثيقة فلم تكن مطوية. ونعني هنا الوثائق التي جاءت من أرشيف مجموعة روما. وقد أطلعت شخصيا على تلك الوثائق قبل إيداعها في "معهد التاريخ الاجتماعي" بامستردام. وكانت محفوظة في ملفات وغير مطوية.
إن من بين أسباب وجود وثائق غير مقروءة هو الخطأ في عملية تصويرها. وهناك أمثلة عديدة. فقد أدي التصوير الخاطئ إلى ضياع التاريخ الحقيقي لبعض الوثائق وإلى ضياع عدة كلمات من سطورها سواء من الجانب الأيمن أو الجانب الأيسر بالصفحة الأولى للوثيقة. ومثال ذلك الوثيقة المنشورة في صفحة رقم 203. وهى عبارة عن رسالة من هنري كورييل في باريس إلى اللجنة المركزية لحدتو بالقاهرة. وأدى التصوير الخاطئ لهذه الوثيقة إلى الضياع الكامل لتاريخ هذه الوثيقة المكتوب في سطرها الأول والقائل: "في 7 أغسطس سنة 1953". كما أدى التصوير الخاطئ إلى ضياع ثلاث كلمات على الأقل من الجانب الأيمن لكل سطر من سطور الصفحة الأولى وإلى ضياع السطرين الأولين من الصفحة الثانية بتلك الوثيقة علاوة على كلمات من الجانب الأيمن والجانب الأيسر لبعض سطور تلك الصفحة.
وقد استطعت القيام بعملية المراجعة والتدقيق هذه استنادا إلى نسخة من تلك الوثيقة احتفظ بها شخصيا. وهى نسخة كربونية بالآلة الكاتبة للوثيقة الأصل المحفوظة بمعهد التاريخ الاجتماعي بامستردام والتي تم تصويرها بشكل خاطئ. وينبغي أن نشير هنا إلى أنه كان على الناشر أن يقوم بتصوير تلك الوثائق باستخدام جهاز "الاسكانر" ضمانا للدقة.

9-
أهمية تاريخ أي وثيقة:
غني عن القول بأن التاريخ الحقيقي لأي وثيقة يشكل جزءا أساسيا من مضمونها. وعلى سبيل المثال فقد ذكر الذين نشروا المجلد أن تاريخ الوثيقة التي تحدثنا عنها آنفا والمنشورة بصفحة 203 هو عام 1953 دون ذكر اليوم ولا الشهر. وهو أمر لا يساعد، على سبيل المثال، على فهم كثير من الأمور المتعلقة بأسلوب عمل منظمة حدتو صاحبة تلك الوثيقة. فإن الوثيقة حسبما أوضحنا من قبل عبارة عن رسالة من هنري كورييل في باريس كتبها يوم 7 أغسطس 1953 وأرسلها إلى اللجنة المركزية لحدتو بالقاهرة. وقد أبدى في تلك الرسالة رأيه حول قرارات أصدرتها تلك اللجنة في 28 يوليو 1953. وهو ما يشير إلى سرعة الاتصال وتبادل الرأي في وقت لم تكن توجد فيه وسائل الاتصال الحديثة السريعة الحالية.

10-
تواريخ خاطئة قائمة على الظن والتخمين:
من بين الأخطاء الشائعة المتكررة في المجلد الثاني أيضا وضع تواريخ تخمينية خاطئة لبعض الوثائق. وعلى سبيل المثال فإن الوثيقة المنشورة في صفحة 143 تم ذكر أن تاريخها هو عام 1953 في حين أن التاريخ الصحيح هو عام 1949. وعلاوة على ذلك فإن التواريخ الظنية التي تم وضعها لبعض الوثائق لا يتفق مع المعلومات الواردة في تلك الوثائق.
والأمثلة عديدة ونكتفي بالإشارة إلى ثلاث منها. الوثيقة الأولى منشورة بصفحة 51 والثانية بصفحة 251 والثالثة بصفحة 257. فالوثيقة المنشورة بصفحة 51 تاريخها الصحيح هو 1951 وليس 1952. فهى تتحدث عن اندماج كل من منظمة "نحشم" ومنظمة "جات" أي "جبهة التحرير التقدمي" مع حدتو. وقد حدث ذلك في عام 1951 ولا يزال صلاح سلمي أحد قادة "جات" الذين تفاوضوا على الاندماج مع حدتو حيا يرزق، كما أن اندماج جزء من منظمة "نحشم" مع "حدتو" تم أيضا في 1951. وهو الاندماج الذي ترتب عليه عودة أحمد رفاعي وزكي مراد إلى حدتو.
وفيما يتعلق بالوثيقة الثانية المنشورة بصفحة 251 ذكر الناشرون أن تاريخها هو عام 1953 في حين أن ما ورد فيها يشير أن تاريخها هو عام 1951. فالوثيقة عبارة عن رسالة من اللجنة المركزية لحدتو إلى مجموعة روما بباريس، وتشير إلى بعض احتياجات حدتو في الظروف الراهنة آنذاك وأهمها أن تقوم مجموعة روما بترجمة كتب ماركسية نظرية إلى اللغة العربية تم تحديدها بالاسم. كما طلبت الرسالة "إرسال نسخة من كل كتاب تجدونه خاصا بالكفاح المسلح واستراتيجية الحرب الثورية"، وهو ما يشير إلى أن تلك الرسالة تعود إلى فترة الكفاح المسلح في منطقة القنال عام 1951. وعلاوة على ذلك فإن التعريف الذي تم وضعه عن هذه الرسالة غير دقيق. فهو يقول "من ل. م. حدتو إلى بعض الرفاق..." في حين أن نص الرسالة يبين أنها موجهة تحديدا إلى "رفاق المنفى"، أي مجموعة روما في باريس. كما أن ما ورد في الوثيقة الثالثة بصفحة 257 من معلومات وتواريخ يوضح جيدا بأن تاريخها ليس عام 1953 وإنما عام 1955. فهذه الوثيقة تتحدث عن تطورات تتعلق بتكوين الحزب الشيوعي الموحد الذي تأسس في فبراير 1955، أي أن هذا الحزب لم يكن موجودا في عام 1953. إنهم هذا عبارة عن تزييف واضح. وبكلمات مخففة نقول إننا أمام عملية تشويه للتاريخ وليس عملية توثيق.

11-
عدم شرح معنى الرموز الواردة في الوثائق:
إن المقدمة التي كتبها الدكتور عاصم الدسوقي للمجلد لا تعطي فكرة واضحة دقيقة عن الوثائق. كما لم تهتم كل من تلك المقدمة والبيانات التعريفية بالوثائق بتوضيح معني الرموز التي جاءت في بعض الوثائق حتى يمكن للقارئ أو الدارس أن يفهم مضمونها. ومن بين تلك الرموز كلمات "العائلة" و"الجماعة" التي جاءت في عدة وثائق المقصود بها منظمة حدتو ذاتها. كما أن كلمة "كليو" تعني مدينة الاسكندرية بينما تشير كلمة "سلم" إلى سكرتارية اللجنة المركزية، وتعني كلمة "مسلم" "المكتب السياسي للجنة المركزية"، لكن كلمة "مسلم" جاءت أيضا بمعنى آخر في بعض الوثائق حيث تشير إلى اسم حركي لعضو في لجنة حدتو المركزية هو سيد ترك. وعلاوة على ذلك لم يتم ذكر الأسماء الحقيقية للأسماء الحركية الواردة في تلك الوثائق. كما لم يتم التفرقة بين الأسماء الحركية والأسماء الحقيقية الواردة في بعض الوثائق، ومن بينهم الناشر ابراهيم عبدالحليم والرسام زهدي والكاتب والصحفي صلاح حافظ، والروائي يوسف إدريس.

12-
عدم دقة التعريف بالوثائق:
إن التعريفات التي تم بها تقديم الوثائق جاءت قاصرة دوما وخاطئة في أحيان كثيرة. وسوف نشير في هذا الصدد إلى مجرد أمثلة تتعلق ببعض الوثائق. وهى عبارة عن رسائل. ويلاحظ أن الرسالة المنشورة بصفحة 47 والمؤرخة في 20 ديسمبر 1952 قد تم تعريفها بشكل خاطئ. كما تم إغفال أن صاحبها هو ابراهيم عبدالحليم مدير "دار الفن الحديث" التي كانت تابعة لحدتو مع أن اسمه مدون في نهاية الرسالة. وقد وضع المسؤولون عن النشر تعريفا خاطئا لها يقول:
"
رسالة تتحدث عن وقف جريدة الملايين واستعداد الدار لإصدار جريدة أخرى..." وهذا الكلام خاطئ من عدة جوانب. فأولا لم يذكر ابراهيم عبدالحليم أن الجريدة ستصدر باسم الدار. كما أن الرسالة لم تتحدث عن "وقف" جريدة الملايين وإنما عن أن هذه الجريدة لم تعد تحت أيديهم بسبب بعض التطورات، ولهذا سيقومون بإصدار جريدة أخرى أقوى في 7 يناير القادم. وقد أصدرت حدتو بالفعل الجريدة البديلة في يناير 1953 تحت اسم "الميدان"، أي صدرت بعد أيام من تاريخ تلك الرسالة. ورأس تحريرها صاحب الرسالة وهو ابراهيم عبدالحليم الذي كان عضوا بلجنة حدتو المركزية. غير أن مجلس قيادة ثورة 23 يوليو قرر فور صدور العدد الأول مصادرة الصحيفة وسحب رخصتها. كما اعتقل رئيس تحريرها.
إن هذا الخطأ يشير بوضوح شديد إلى أن الذين أشرفوا على إصدار ذلك المجلد يجهلون التاريخ بما في ذلك التطورات التي أشارت إليها الرسالة. فإن التطورات التي تحدث عنها ابراهيم عبدالحليم التي أدت إلى أن صحيفة الملايين "لم تعد تحت إيديهم" تتمثل في أن فتحي رضوان السياسي الشهير ورئيس الحزب الوطني بدأ يتعاون مع رجال ثورة يوليو. وقام بالضغط على أحمد عزام صاحب امتياز صحيفة الملايين وعضو قيادة حزب فتحي رضوان لكي لا يتعاون مع حدتو. كما اتخذ فتحي رضوان أيضا مواقف عدائية ضد الأعضاء القياديين في حزبه الذين يتعاونون مع حدتو. وكان من بينهم ابن شقيقته سعد كامل رئيس تحرير صحيفة "الكاتب" التابعة لحدتو.
من بين الأمثلة الأخرى للتعريفات الخاطئة وغير الدقيقة ذلك التعريف الخاص بالوثيقة المنشورة بصفحة 263. فقد وضع المسؤولون عن النشر تعريفا يقول: " بيان من أنور مقار عضو اللجنة النقابية المصرية إلى الاتحاد العام لنقابات عمال فرنسا...". وهذا التعريف غير صحيح. فأولا الوثيقة ليست "بيانا" وإنما "رسالة". وثانيا لم يتم تدوين صفة صاحبها بشكل صحيح وهى "أنور مقار عضو اللجنة النقابية المصرية للدفاع عن الحريات ومندوبها في مؤتمر الشعوب من أجل السلام". فهذه ليست نقابة عادية وإنما نقابة نوعية للدفاع عن الحريات. وقد شكلها مندوبو عدة نقابات ينتمون إلى حدتو.
وثمة أمثلة أخرى للتعريفات غير الدقيقة للوثائق. ومن بينها الرسالة الواردة في صفحة 281 تحت تعريف يقول "رسالة إلى زهدي لتكوين لجنة لتتقدم في مؤتمر ممثلة لهيئة الدفاع عن حقوق الشباب المصري". يلاحظ هنا أن التعريف أغفل أن صلاح حافظ الصحفي الشهير والعضو القيادي بحدتو هو مرسل تلك الرسالة حسبما هو مدون بشكل واضح في نهايتها. كما أغفل التعريف ذكر الأسماء المقترحة لتلك اللجنة وهم الرسام زهدي والممثلة هدى زكي والروائي يوسف إدريس. ولم يحاول الناشرون التدقيق لمعرفة ذلك المؤتمر ومكان انعقاده وتاريخه والذي كان يشارك فيه الرسام زهدي والروائي يوسف إدريس باسم مصر. لم يحاولوا ذلك على الرغم من وجود وثائق أخرى في المجلد تتعلق بذلك المؤتمر وتاريخه ومكان انعقاده.

13-
عدم تصنيف الوثائق:
لم يتمكن الذين قاموا بإعداد الوثائق للنشر من تصنيفها. بل وقفوا حيارى ، على سبيل المثال، أمام مجموعتين من الوثائق. وتتعلق الأولى بنشاط حدتو في بعض المجالات الجماهيرية ومن بينها المجال العمالي. وتتمثل المجموعة الثانية في الوثائق التي تتعلق بنشاط حدتو ومشاركتها في المنظمات والمؤتمرات الدولية الخاصة بالشباب والطلبة والعمال. وتوجد بالمجلد بالفعل عدة وثائق تشير إلى مشاركة النقابي أنور مقار والرسام زهدي وهدى زكي ومحمد يوسف الجندي ويوسف إدريس في ذلك النشاط. كما يتضح من إحدى الوثائق أن الصحفي البارز صلاح حافظ كان مسؤولا عن متابعة وتوجيه مشاركة وفد حدتو إلى المؤتمر العالمي للدفاع عن حقوق الشبيبة في 1953.
وتبين الوثيقة بصفحة 47 والوثيقة المنشورة بصفحة 410 أن تلك المشاركات لم تكن عبارة عن مجرد إرسال وفود وإنما كان تتم المشاركة بمطبوعات وكتابات مصرية ويترجم بعضها إلى بعض اللغات الأوربية، كما كان يشارك في التحضير للمشاركة في تلك الفعاليات أبرز الفنانين والكتاب والمثقفين المصريين. وهو ما تشير إليه الوثيقة المنشورة بصفحة 410. وهى عبارة محضر اجتماع اللجنة التحضيرية لمهرجان الشباب العالمي الذي انعقد في 2 أغسطس 1953 بمدينة بوخارست في رومانيا. وقد تشكلت تلك اللجنة من 36 شخصية من بينهم سبعة مخرجين سينمائيين بارزين وخمسة من كبار الكتاب وثلاثة أساتذة بكلية الفنون الجميلة. وكان بين المخرجين السينمائئيين كمال الشيخ وعبدالقادر التلمساني ومحمد كامل مرسي وكمال عطية وحسن رضا. وضمت مجموعة الكتاب والصحفيين صلاح حافظ وعبدالرحمن الشرقاوي وعبدالرحمن الخميسي ومختار العطار. أما أساتذة الفنون الجميلة فهم جمال السجيني وأحمد أمين عاصم وعبدالفتاح البيلي. كما كان الفنان التشكيلي زهدي ضمن اللجنة التحضيرية. وضمت اللجنة التحضيرية أيضا عددا من النساء من بينهن سيزا نبراوي عضو مجلس السلام العالمي ونائبة رئيسة الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، والممثلة والراقصة تحية كاريوكا.

14-
خاتمـة:
إن الوثائق النادرة والهامة الورادة في المجلد الذي تنناولناه هنا تلقي الكثير من الضوء على إحدى مراحل التاريخ وما كان يدور فيها من فعاليات. وينبغي التنويه أن الفضل في تجميع تلك الوثائق وحفظها من الضياع يعود إلى مجموعة روما، أي يعود إلى أعضاء حدتو الذين كانوا في المنفى في باريس. ولم تقتصر أعمال تلك المجموعة على حفظ وثائق حدتو بل قامت بأعمال عديدة أخرى. ومن بين تلك الأعمال التنسيق بين حدتو في داخل مصر وأعضائها المشاركين في نشاط ومؤتمرات المنظمات الدولية مثل الطلبة والشباب والعمال والمرأة. وهناك وثائق عديدة ترتبط بذلك من بينها مراسلات محمد يوسف الجندي، العضو القيادي في حدتو الذي كان يقيم في بودابست في السنوات الأولى من خمسينات القرن العشرين بعد هروبه من السجن في مصر.. وكانت تلك المراسلات تتم عبر مجموعة روما. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الوثائق التي تتعلق بمحمد يوسف الجندي مكتوبة بخط يده.
إن بعض الأخطاء التي أشرنا إليها آنفا تعني أن تلك الوثائق لم تتم قراءتها جيدا قبل أن يتم نشرها. كما تعني من جانب آخر أن الذين قاموا بإعدادها للنشر لم يستوعبوا ما جاء فيها. وهو ما يستدعي إعادة التدقيق في تلك الوثائق وإصدار تصويبات لتلك الأخطاء حتى لا يتم تضليل الذين يريدون دراسة القضايا التاريخية التي ترتبط بها.
وعلى الرغم من كل الملاحظات التي طرحناها آنفا فإن من الضروري التشديد على أن تلك الوثائق تشكل ثروة لا غنى عنها لدراسة تاريخنا الوطني. ونقترح على ناشر المجلد الذي احتوى تلك الوثائق أن يقوم بإصدار ملحق للمجلد يحتوي على تصويب للأخطاء وأشكال القصور التي جاءت بالمجلد. وما استعرضناه هو مجرد أمثلة لعمليات عديدة لتشويه التاريخ وتزويره
نشرت في 2012/1/24 
 د/احمد القصير



No comments:

Post a Comment