Tuesday, October 23, 2012

مسارات متقاطعة - التعليم (3) - إبراهيم طاحون


مسارات متقاطعة - التعليم (3) - إبراهيم طاحون

مسارات متقاطعة
إبراهيم طاحون
التعليم (3)
حاول نفر من مفكرينا وفلاسفتنا ورواد التنوير العربي أن يُدخلوا العقل إلى النظام الثقافي العربي والمصري، وكان آخر هؤلاء "الفرسان" عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين الذي جاء من فرنسا محملا بمنهج الشك الديكارتي وأفكار فلاسفة التنوير، غير أن مشروع طه حسين انتهى كما انتهت مشروعات أسلافه من التنويريين العرب، ليس لأن قوى الظلام كانت – ومازالت – أكثر نفوذا وسلطانا من قوى التنوير، بل لأن المشكلة كانت في المشروع نفسه،  حيث لم يكن ثمة انسجام في مكونات الأوعية الثقافية، فالوعاء "العلمي – المعرفي" الذي استحضره الدكتور طه من الغرب، والذي يجب أن يكون شكله أو مظهره الخارجي هو التعليم، وجوهره الباطني هو العقل – وهما جزءان لا ينفصلان كما قلنا سابقا – كان نبتةً مزروعة في تربة غير مؤهلة لها، فلم تنبت سوى مستقبل مشوه وعقول عاجزة وأرواح مريضة.
هذه الصورة توحي لنا أن التعليم إما أن يتقاطع مع العقل فينتج النهضة والتقدم والحرية والتسامح، وإما أن يتقاطع مع الجهالة فينتج التخلف والركود والاستبداد والكراهية السوداء، وبينما تكون النتيجة حتمية في الحالة الثانية فإنها لا تكون كذلك في الحالة الأولى، فقد يتقاطع التعليم مع العقل والتنوير والثقافة الحديثة ولا ينتج إلا عقولا عاجزة عن التفكير الحر والإبداع الأصيل، وهذا ما يمكن أن نتلمس معالمه في تاريخ مصر الحديثة التي بدأت بمشروع محمد علي على الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية وجهود رفاعة رافع الطهطاوي على الصعيد الثقافي والفكري والاجتماعي.
والدروس المستفادة من مشكلات التحديث أو الحداثة العربية تتمثل في بعدين رئيسيين أولهما استيراد نموذج فكري ثقافي وفلسفي من الغرب واندثار فكرة المُدرس والمدرسة الثقافية والفكرية، فالطهطاوي والأفغاني ومحمد عبدة ولطفي السيد وطه حسين وغيرهم لم يكن لهم تلاميذ ولم يؤسسوا مدارس فكرية بحيث تتحول جهودهم إلى حركة أكاديمية وشعبية في نفس الوقت.
لقد تقاطعت التجربة التعليمية في عالمنا العربي الحديث مع فردانية المفكر ولا استمراريته من ناحية واختلاف البيئة والتربة الحاضنة للأفكار المستوردة من ناحية أخرى ومع مرور الوقت ظهرت مشكلات أخرى لم يستطع النموذج العربي الحديث أو التنويري أن يحتويها ذلك أنه كان منذ البداية "معيوبا" فيه ما يكفيه من المثالب والأخطاء فكيف يمكنه أن ينهض يوما ما وقد أضيفت إليه مشكلة جديدة هي الأقوى والأعتى والأكثر تدميرا على الإطلاق ليس للتعليم بل للكون برمته.. إنها مشكلة الطائفية.

إبراهيم طاحون

No comments:

Post a Comment