Sunday, August 5, 2012

حول سوريا والوضع العربي الراهن هل النقاش «اليساري».. يساري فعلاً؟ - د. خالد حدادة

حول سوريا والوضع العربي الراهن هل النقاش «اليساري».. يساري فعلاً؟ - د. خالد حدادة
 
حول سوريا والوضع العربي الراهن هل النقاش «اليساري».. يساري فعلاً؟ - د. خالد حدادة
لفت النظر هذه الأيام، بعض النقاشات التي دارت بين مثقفين ينتمون بالتاريخ، إلى اليسار العربي، ويفترض أن لهم المنطلق الايديولوجي نفسه، الذي يدّعون النشأة عليه، وإن كانوا اليوم يحاولون، بالإعلان أو الممارسة الهروب منه، تحت حجة نهاية عصر «الايديولوجيات»(...). لن نناقش هذه الفكرة، ولكن نشير إلى أن منظري الغرب، الذين منهم اقتبس بعض يساريي العرب هذه الفكرة، عادوا وتقدموا بنقد ذاتي علني حول الموضوع، غير أن «التابع» سواء كان نظاماً أو فرداً عادة ما يلتحق متأخراً وينسحب متأخراً، أولاً ينسحب ويقع أسير تبعيته.
وإذا كانت البنيوية في الفلسفة والعلم، تتجه عادة إلى منطق تفكيك الحدث وإلى أولياته وإعادة تركيبه، ضمن سلّم مفاهيمي ينطلق من المفاهيم الأساسية الى النظرية وعلاقاتها، ليعاد تفسير الجزئي على أساس المركب الجديد، فإن منظّري اليسار المشار اليهم، كل من موقعه، والمتناقض أغلب الأحيان، ينطلق من أحكام مسبقة، مستترة حيناً ومفضوحة حيناً آخر، لا يكتفي بتشويه المنهج الجدلي لتحليل الظواهر، بل يتعدى ذلك إلى حد تشويه المنهج البنيوي، فيفكك الظواهر لا ليعيد تركيبها، بل لينطلق منها مباشرة نحو المسبق في أحكامه.
ومن العام إلى الخاص، سنورد على سبيل المثال لا الحصر، مثال النقاش «اليساري» حول ما يجري في سوريا، وارتباطاً ما جرى ويجري في العالم العربي.
بداية، لا بد من الإشارة إلى أن أحد أهم أسباب الضياع والتهافت في هذه النقاشات، يتحملها اليسار العربي ونحن في مقدمتهم، حيث استغرق في أزمته، ما سمح للبعض الاستمرار في منطق التبعية التي كانت سائدة سابقاً للتفسير «السوفياتي» وللبعض الآخر وبحجة «النقد الذاتي»، الهرب من موقع الكسل الفكري ذاته، إلى الالتحاق والتبعية للتفسير البرجوازي النقيض، مع لباس أحمر أو زهري، شفاف في أغلب الأحيان.
والاستغراق بالأزمة، نتج منه بفعل التناقضات وأزمة النظام الرسمي العربي على المستويات الثلاثة، السياسية والاقتصادية ـ الاجتماعية والوطنية، انفجار هذه التناقضات ومرور العالم العربي في حالة ثورية، كان فيها اليساريون إما مشاركين أو مشاهدين، ولكن حكماً، لم يكن مشروعهم إذا وجد في قيادة الانتفاضات الشعبية.
هذا الغياب للمشروع وللقيادة الثورية كان إلى جانب «الهجوم المضاد»، أحد الأسباب التي ستجعل العالم العربي يعيش اليوم في مرحلة انتقالية صعبة، لا تنفي إيجابية انهيار النظام القديم، بل تؤكده، يستمر فيها الصراع بين المشروع الامبريالي (مؤازراً من النظام الرسمي العربي وبقاياه) وبين طموحات الشعوب العربية المختصرة بالكلمات الثلاث الرائعة ببساطتها: الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية.
وإحدى أهم الإشكاليات المنهجية في تحليل الظواهر (الأزمة السورية كمثال) هي تفسير مقولة «التناقض» وبالتالي جدلية العلاقة بين الأساسي والرئيسي والثانوي فيه، والذي أوقع المساجلين من مفكري اليسار في البقاء في الشكل الماركسي، مع مضمون مثالي، قبل وبعد ماركسي من ديكارتي وبنيوي وسواه.
في الشكل كان هنالك تناقض بين المساجلين ولكن في المضمون هنالك اتفاق على النهج الملتبِس لمقولة التناقض وابتعاد عن جدلية فهمها.
فـ«الأساسي» هو «ثابت» في كل الظروف والمعطيات والتطورات والثانوي هامشي وثابت أيضاً في كلها... هذا النهج المثالي مشترك عند المتساجلين اليساريين وإن اختلف الأساسي والثانوي في نظرتهما.
وفي الموضوع السوري تحديداً، ينعكس ذلك إما انحيازاً غير محدود لوجهة نظر النظام في حصر الأزمة بكونها مؤامرة خارجية، وبالتالي قصرها على هذا الوجه الخارجي، أو بإنكار كامل لهذا العامل والانحياز إلى تفسير رتيب يساوي بين ما يجري في سوريا وما جرى في مصر وتونس وغيرها، وبالتالي يحصر الأزمة بالواقع السياسي والأمني والقمعي للنظام والتقليل من جانب الأزمة الخارجي، ومن واقع استهداف النظام، ليس بممارسته الاقتصادية (وهي للمناسبة متوافقة مع منطق العولمة والتبعية) وليس حكماً في موقفه من الحريات (والأنظمة العربية الملتحقة بالمؤامرة هي مثال للقمع بأوجهه المختلفة السياسية والشخصية والفكرية) بل استهداف، لما تبقى لديه من موقع غير ملتحق بالمشروع الأميركي ـ الصهيوني.
إن هذا المنطق الذي يبتعد عن وحدة هذه المتناقضات وجدلية العلاقة بينها وبواقع تغيير مواقعها وأساسيتها في موجبات الصراع وتوقيته (والصراع هنا بمضمونه الطبقي) يؤدي إلى أحد خطرين: الأول، عند النوع الأول من مهملي الوجه الاقتصادي - الاجتماعي والسياسي للأزمة، ما يؤدي إلى استمرار الخطأ في النظرة لعملية التحالف عند الأحزاب اليسارية وتحديداً الشيوعية، وبالتالي تجميد فعل التناقض مع البرجوازية حول هذين الموضوعين تحت ستار المواجهة التاريخية مع المشروع الامبريالي. والارتضاء عند قسم من هؤلاء (حول الوضع اللبناني) بالخضوع دوماً لقيادة البرجوازية (أو قسم منها، طائفي في الغالب) لـ«التحالف الوطني» المفترض تحت حجة مواجهة الامبريالية ومؤامرتها.
أما النوع الثاني، وهو الأخطر، فهو الانتقائية في طرح الأولويات وإهمال الجانب الخارجي من الأزمة، وجعل أسبابها الداخلية هي الأساس، في تبرير لتبعية قسم أساسي من المعارضة السورية للخارج وبالتالي جعل هذا الخارج (بمشروعه الخاص البعيد من مصالح الشعب السوري وقضايا العرب) هو المقرر الوحيد في مصير سوريا بما يبرر، صراحة أو ضمناً، التدخلات الخارجية ذات الطابع الاستعماري في بلادنا، وبالتالي استمرار مصادرة ثرواتنا وضمان أمن العدو الصهيوني وإهمال للقضية الفلسطينية كعامل أساسي للصراع في المنطقة.
والمضحك - المشبوه في المنطق الثاني، أنه عندما يتحدث عن الثورات والانتفاضات الشعبية في العالم العربي يحدّدها بخمس أو ست بأحسن الحالات (أضاف احدهم السودان) وهي: سوريا، مصر، تونس، اليمن وليبيا، متناسياً أو مهملاً مواقع أخرى كالبحرين والسعودية والقمع اللاحق بشعوبها وانتفاضاتها.
إن خطورة هذين المنطقين، تتخطى حدود الأزمة الحالية والمباشرة، خصوصاً في سوريا التي دخلت في مرحلة طويلة ستتحدد أشكالها من استمرار الصراع الدولي حولها، إلى التناقض والحروب ذات الطابع والشكل الأهلي (وربما الطائفي) وبالتالي إلى عجز النظام عن إعادة بناء الدولة (وهو بهذا المعنى يكون بشكله القديم قد سقط) وعجز المعارضة، بفعل تكوينها وتبعيتها عن الحفاظ على وحدة سوريا وشعبها ومؤسساتها، وخاصة بعد أن دخلت سريعاً وبتبعية للخارج الاقليمي والدولي في مرحلة العسكرة التي جعلت منها عاجزة عن التوحد (لأنها تفقد استقلاليتها) وعن القدرة على الحوار من أجل إنقاذ سوريا...
إن خطورة هذين المنطقين (وهما منطق واحد بالمضمون) تكمن في ما يشكلانه من ضرب لاستقلالية الطبقة العاملة في إدارتها للصراع الطبقي بشكله السياسي وبالتالي إفقادها (عبر حركتها أو حركاتها السياسية اليسارية)، عن صياغة مشروعها الوطني الديموقراطي المستقل، لمواجهة المؤامرة الامبريالية من جهة وللبرجوازية التابعة من جهة أخرى.
إنه مشروع مستقل حتماً يجب أن يجهد اليسار بتنوعه من أجل إنتاجه. مشروع مبني على جدلية العلاقة بين التحرير الوطني والتحرر الاجتماعي والسياسي. مشروع يضع الطبقة العاملة في قيادة مشروعها للتحرر الوطني وفي مواجهة المشروع الامبريالي والبرجوازية العربية التابعة له في آن واحد. مشروع تستطيع معه أن تحدد مستوى التناقضات ودرجتها، وبالتالي تختار هي ولا يفرض عليها التقاطعات والتحالفات التي تخدم مشروعها وليس مشروع الآخر، مشروع يناضل مع الشعوب وليس عنها.. وبها.

خالد حدادة

الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني
السفير - 04 آب 2012
نقلا عن موقع صوت الشعب http://epdmsite.org/  بتارخ 2012/8/4
موقع حركة الديمقراطية الشعبية المصرية 

No comments:

Post a Comment