Thursday, August 16, 2012

العدالة الإجتماعية كأساس للدولة المدنية فى الدستور المصرى - أشرف عزيز

العدالة الإجتماعية كأساس للدولة المدنية فى الدستور المصرى
العدالة الإجتماعية كأساس للدولة المدنية فى الدستور المصرى
 
قامت ثورة 25 يناير من أجل تحقيق مطالب ثلاث ( عيش – حرية – عدالة إجتماعية ) وبعد مرور أكثر من عام ونصف لم نأكل عيشاً ولم نتنفس حرية ولم نذق طعم العدالة الإجتماعية بل أصبح الجميع متصارعاً من أجل المكاسب السياسية وليذهب الوطن الى الجحيم كما قال غاندى ( كثيرون حول السلطة قليلون حول الوطن) هرع الكثيرون الى طلب أستقرار مزعوم فأشاروا بنعم للتعديلات الدستورية فصدر إعلان دستورى أنشأ فى ظله العديد من الأحزاب تنافست فيما بينها على أنتخابات تشريعية أتت ببرلمان تصفيه حسابات لم يعبأ بمشاكل المواطن وأموره الحياتية تشكلت جمعية تأسيسية لوضع الدستور بمنطق المغالبة لا المشاركة والكل يسعى الى إيجاد وضعيه خاصة له فى الدستور المرتقب ، فحين قامت ثورة يوليو 1952 صدر قانون الأصلاح الزراعى فى سبتمبر من ذات العام أى بعد شهرين فقط فوجدت لنفسها ظهيراً شعبياً أما ثورة يناير فأصبح الناقمين عليها من الطبقات الشعبية أكثر من المؤيدين لها بمرور الوقت فلم تلبى أى من مطالبهم ولم تحقق حتى الآن أى من أهدافها ولم يتبقى لنا سوى دستوراً جديد يحمى ما تبقى من أسس الدولة المدنية .
فتقوم الدولة المدنية على أساس من أحترام دولة القانون والمؤسسات وترسيخ مبدأ المواطنة والمساواة وعدم التمييز ، وتكفل الحريات والحقوق وتضمن التداول السلمى للسلطة فى ظل أنتخابات حرة ونزيهة وتعمل على فصل الخطاب الدينى وأستغلاله وإقحامه فى العمل السياسى حفاظاً على قدسية الدين وهيبته بإعتباره مطلق وثابت والسياسة نسبية ومتغيرة والخلط بينهما يسىء لكليهما.
وإن كان للدولة المدنية إطار سياسى فهى أيضاً لها بعد أقتصادى وأجتماعى متمثلاً فى تحقيق العدالة الإجتماعية كأساس للدولة المدنية فى الدستور ، فإذا تناولنا العدالة الأجتماعية من منظور دستورى بدءاً من دستور 1923 حتى دستور 1971 فقد نصت تلك الدساتير على مجموعة من الحقوق اللصيقة بالشخصية الإنسانية مثل الحق فى العمل والحق فى التعليم والحق فى السكن والحق فى العلاج والرعاية الصحية والتأمين الإجتماعى وغيرها من الحقوق .
إلا أن الواقع العملى يشهد بغير ذلك وقد عانينا جميعاً من غياب العدالة الإجتماعية الحقيقية وأصبح شعاراً مبتذل تتشدق به الأنظمة الحاكمة على مر العصور دون تطبيق فعلى على أرض الواقع .
فالعدالة الإجتماعية ترتبط أرتباطاً وثيقاً بالسياسة الأقتصادية التى تنتهجها الدولة فلا توجد عدالة إجتماعية فى ظل سياسات أقتصادية تكرس تخلف وتبعية الأقتصاد المصرى وتدهوره وتتنافى مع أبسط مصالح وحقوق العمال والكادحين والطبقات الشعبية ، ما دمنا ندور فى فلك الدول الرأسمالية رغم عدم قدرتنا على أمتلاك أدوات المنافسة ، مادمنا نعتمد أعتماداً متزايداً على القطاع الخاص وإنسحاب الدولة من وظائفها الإنتاجية والخدمية ، ما دمنا نعتمد الى حد بعيد على إدارة منافسينا بل خصومنا فى حل مشاكلنا الأقتصادية والأعتماد على القروض والمعونات التى تفرض مزيداً من الشروط التى تعمل على إعادة أنتاج التخلف والتبعية لأقتصادنا المصرى ، فعلى مدى الدهر توضع القوانين تعبيراً عن مصالح الطبقة الحاكمة ، والى أبد الدهر توضع الدساتير لتحدد السياسة الأقتصادية للدولة التى تعد أداة فى يد الطبقة الحاكمة ومعبراً عن مصالحها .
وأن كانت الرأسمالية مثلت تقدماً أقتصادياً وثقافياً وسياسياً بالمقارنة بالنظام الإقطاعى الا أنها كالأنظمة الطبقية السائدة نظام يقوم على الأستغلال والسعى الى تحقيق أقصى قدر من الربح .
إلا أن الرأسمالية المصرية ولظروف تاريخية ترتبط بخضوعها لأربعة قرون تحت حكم الخلافة العثمانية وخضوعها للتدخل الأوروبى والأستعمار البريطانى أدى بها الى التأخر فى توليد القوى القادرة على تفكيك وإنهاء النظام الإقطاعى وبدء وتطور الحداثة الرأسمالية ، فضلاً عن أن التقدم الذى حققته السياسة الأقتصادية خلال الفترة الناصرية كان محدوداً إذ أن سياسة التصنيع لم تكن تتفق بالدرجة الكافية والضرورية مع الإحتياجات الحيوية للتطور الإقتصادى ولم تقم على أرضية متحررة بما فيه الكفاية من بقايا النظام الإقطاعى ، وتكرس وإذداد التخلف الأقتصادى إعتباراً من عام 1974 فصاعداً وحتى الآن بإنتهاجه سياسة الليبرالية الجديدة الموصى بها من الدول الصناعية الكبرى وإحتكاراتها ومؤسساتها المالية والتجارية والعالمية ، فصفت القطاع العام وملكت أفضل شركاته وأنجحها لرأسمال الأجنبى وحفنة من الرأسماليين المصريين والعرب وأوكلت حاضر مصر ومستقبلها الأقتصادى بيد القطاع الخاص وأطلقت العنان لآليات السوق فى ظل اقتصاد مفكك ومتخلف وتابع ومفتقد لقاعدة النمو الذاتى والقدرة على أنتاج وسائل الإنتاج .
فيجب أن تعى الطبقة العاملة المصرية والطبقات الشعبية أن النظام الرأسمالى المصرى ليس نظاماً رأسمالياً حراً ولكنه نظام رأسمالى تابع للرأسمالية العالمية بقيادة أمريكا وأوروبا وفى القلب منها أسرائيل وأن أستغلالكم يتم مرتين مرة من الرأسمالية العالمية ومرة أخرى من الرأسمالية المحلية من وكلاء وشركاء وسماسرة الأحتكارات العالمية التى تحقق أرباحها من موقع التابع للمتبوع .
فالقضية الرئيسية فى مصر هى الإنسلاخ من قوانين الرأسمالية العالمية وإنهاء حكم هذه الرأسمالية التابعة وأقامة نظام سياسى أقتصادى وطنى يعتمد على جهود أبنائه ويوظف أمكانياته لسد الأحتياجات الداخلية للعمال والطبقات الشعبية أولاً ولا يضع نفسه فى خدمة تطور وتحقيق أرباح الرأسماليات العالمية بمقولة الإندماج فى السوق العالمى .
فلا يمكن الحديث عن العدالة الإجتماعية إلا بإنتهاج نظام أقتصادى وطنى يتبنى قاعدة النمو الذاتى والقدرة على أنتاج وسائل الأنتاج بوقف فورى وتام لسياسة الخصخصة وإعادة تأهيل الشركات الخاسرة وتوفير السلع الإستهلاكية والضرورية وفرض نظام تصاعدى للضرائب على الدخل وإنهاء سيطرة رؤوس الأموال الأجنبية على الأقتصاد المصرى وأقامة قطاع عام قوى تشارك فى إدارته القواعد العمالية ، مع إتاحة مجال واسع للقطاع الخاص بما يتلاءم مع أوضاع شعبنا وإجراء تغير جذرى وجوهرى فى نظام الأجور بفرض حد أدنى وأقصى ، ودعم عاجل وملموس للعلاج المجانى فى المستشفيات الحكومية وحماية نظام التأمين الأجتماعى والصحى وتحسين خدماته ودعم وتطوير صناعة الدواء المصرية .
خلاصة القول : أنه لا يمكن الحديث عن العدالة الأجتماعية فى ظل أقتصاد السوق وسياسة العرض والطلب ومنطق الربح والخسارة .
لذلك نرى أن الأشتراكية ومهما كانت مصاعب أقامتها هى طريق البشرية كلها وطريق بلادنا وطبقتنا العاملة وجميع الكادحين للأنعتاق من مأساتهم الأجتماعية ، نعم الأشتراكية هى الحل والطريق الوحيد لمجتمع الحرية الحقيقية التى لا يمكن توافرها بدون العدل الأجتماعى وإنهاء الفوارق بين الطبقات والطريق الوحيد لتحقيق الأمن والسلام الأجتماعى وأحترام دولة القانون كأحد أسس الدولة المدنية . 
أشرف عزيز – عضو حركة الديمقراطية الشعبية المصرية
 

No comments:

Post a Comment