Thursday, January 12, 2012

اللهم لا تجعلني من أهل اليمين

اللهم لا تجعلني من أهل اليمين


للهم لا تجعلني من أهل اليمين..!
رؤية – إبراهيم طاحون
ربما لم تعد مقولة جوزيف جوبلز وزير دعاية هتلر النازي "أعطني إعلاما بلا ضمير أعطيك شعبا بلا وعي" مقصورة على معرفة المثقفين بها، خاصة بعد أن رفعها مشجعي جماهير النادي الأهلي المصري "الألتراس" في إحدى مباريات النادي عقب التشويه الإعلامي المتعمد والمستمر للثورة والثوار، هذه الجملة ربما لا تنطبق تماما على المشهد المصري، وإذا جاز لنا إدخال بعض التعديلات عليها لقلنا: أعطني إعلاما بلا ضمير لشعب هو بالأساس بلا وعي؛ أعطيك مستقبلا لا نهائيا للاستبداد والجهل والتخلف.
ربما لا تكمن المشكلة في الإعلام المصري، ذلك الإعلام الذي ظل على مدار عقود بوقا للسلطة الحاكمة، يُسَّبح بحمدها ويَسْبح في فسادها ويذبح كل من يعاديها ذبحا نفسيا وسياسيا واجتماعيا، فكفى بالمرء أن ينطق اسم "حركة 6 إبريل" أو الليبرالية أو العلمانية أو حتى استمرار الثورة – وهي الأطراف التي تمثل موقف المعارضة للسلطة الأبوية الجديدة - إلا ويجد من الشعب جنودا جندها الإعلام بوعي منهم أو بدون وعي لكي يدافعوا عن السلطة في نسختها الجديدة، وربما تجد أيضا من يدافع عن السلطة في نسختها القديمة.
في هذا السياق الإعلامي الزائف تتحول كل القيم إلى نقائضها، وتكثر الإدانة وتوجيه التهم التي باتت تهما معلبةً وجاهز: فحركة 6 إبريل؛ حركة خائنة يمولها الخارج ليفسد مصر (وهل مصر في حاجة إلى إفساد؟!) والليبرالية أو العلمانية أو الديمقراطية كفر وزندقة ودعوة إلى الانحلال الأخلاقي والقيمي، وأنصار استمرار الثورة حفنة من العاطلين ليس وراءهم إلا تعطيل الطرق والميادين ووقف عجلة الانتاج (فمتى كانت هذه العجلة اللعينة تسير؟!) وهكذا وإلى ما لا نهاية، تجد المواطن البسيط - الذي أعيا نظام مبارك جسده وعقله - يتحدث بلسان لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ليخبرك عن الانحلال والدعارة والأيادي الخفية والعيون التي تترصد مصر كي تقوم بإسقاطها ونهب خيراتها، هذا المواطن هو نفسه الذي لم يرَ شيئا من هذه الخيرات ولم يتذوق إلا طعم الذل والمهانة والاحتقار، ولكنه هو أيضا المواطن الذي تعلم الخوف على لقمة العيش والحفاظ – رغم كل القهر والظلم والفقر – على النظم السياسية القائمة لأنه تعلَّم جيدا كيف يعبد حاكمه وكيف يمثل هذا الحاكم بالنسبة له سلطة أبوية لا يجب الخروج عليها حتى ولو كانت ظالمة.
المشكلة ليست في الإعلام المصري الزائف، لأن الإعلام الزائف يستحيل أن يكون إعلاما مُزيِفا كإعلام هتلر النازي، لأن هذا النوع من الإعلام له مواصفات وشروط متعددة، نشير إلى شرطين لا بد من توافرهما: أولا ديكتاتور قوي وذكي إلى درجة كبيرة وخطيب مفوه من الطراز الأول، ثانيا إعلامي على قدر كبير من الوعي والفهم والإدراك، وهما شرطان لا وجود لهما، لا بالنسبة إلى رأس السلطة في مصر ولا لجناحها الإعلامي المشوه والقذر. المشكلة إذن في الشعب الذي استطاع حاكمٌ في آخر أيام عمره الافتراضي، وإعلامٌ ضعيف متهالك وساذج وسخيف، أن يحركه بقوة التنويم المغناطيسي ضد كل من يسعى إلى وصول الثورة إلى الغاية التي انطلقت من أجلها، وكأن الثورة لا تستحق هذا الشعب البليد، عفوا، أقصد هذا الشعب الذي "أصبح" بليدا.
هذا الإعلام إذن ليس إعلاما مُزيِفا، لأنه لا يملك الأدوات الفنية والمهنية والثقافية لكي يتمكن من تزييف الحقائق ويجعل من الشعب طاقة انفعالية تهتف باسم حاكمها هتافا عاليا ومقدسا، وإنما هو إعلام زائف وجد فيه الشعب ما يلبي غرائزه التي نشأ وتربى عليها، وهي الحفاظ على النظام الحاكم وتبريره والبحث عن مسوغات لاستمراره، ويالا القدر العجيب، فقد تلاقى اليمين مع اليمين؛ اليمين الشعبي مع اليمين السياسي، فكانا هما النار التي أحاطت سرادقها بكل أهل اليسار... فيا رب لا تجعلني من أهل اليمين!!

 بقلم  ابراهيم طاحون

1 comment:

  1. المقال الأسبوعى بقلم ابراهيم طاحون

    ReplyDelete