Thursday, January 5, 2012

نفـخة الفـزع


نفـخة الفـزع


نفخة الفزع..!!

رؤية – إبراهيم طاحون

قبيل أيام من حلول الذكرى الأولى للثورة المصرية التي أطاحت بالرئيس المخلوع محمد حسني مبارك "ونفر قليل" من زبانيته بعد اندلاعها في 25 يناير الماضي وإجبار مبارك على التنحي بعد ثمانية عشر يوما، أزهقت خلالها أرواح مئات وربما آلاف الشباب والفتيات والرجال، يتابع النظام السابق محاولاته المستميتة لعمل ما لم يتمكن من عمله عندما كان يحاول قمع الثورة وردع المتظاهرين الذين خرجوا شعوبا وقبائل من كل حدب وصوب على قلب رجل واحد يهتفون جميعا: الشعب يريد إسقاط النظام، إلا أنه – وكما يبدو للأعمى والأصم – لم يسقط النظام.
وفي خطوة استباقية لا تختلف أبدا عن خطوات مبارك ونظامه السابق قامت أمس الخميس النيابة العامة بمرافقة قوات الصاعقة الأبية باقتحام 6 منظمات من منظمات المجتمع المدني في مصر وتحفظت على كل أوراقها ومستنداتها ثم أمر بإغلاق منظمتين منها وتشميعهما بالشمع الأحمر وهما مركز استقلال القضاء ومرصد الموازنة، ورغم أن الاقتحام كان لست منظمات فقط إلا أن وسائل الإعلام – خاصة الإعلام الرسمي المصري – ذكرت أن الاقتحام شمل 17 منظمة ولا يدري أحد إن كان ذلك استشراف للغيب أم تضليل كما اعتاد الإعلام المصري دائما أم هو خطأ إعلامي وما أكثر أخطاء بل خطايا الإعلام المصري.
من جانبه قال ناصر أمين، مدير المركز العربي لاستقلال القضاء، "إن هذا يعد بداية الهجوم علي منظمات المجتمع المدني لإرهابهم وإرجاعهم عن الدور الذي يقومون به في كشف انتهاكات المجلس العسكري لحقوق الإنسان، مؤكدا أن هذه الاقتحامات وهذا الإرهاب لن يثني المنظمات الحقوقية عن المضي قدما في طريقها لدعم واحترام حقوق الانسان في مصر. وكشف امين عن كافة منظمات المجتمع المدني دعت لاجتماع ستعقده للتباحث والرد علي ما أقدمت عليه النيابة العامة والمجلس العسكري."
أما جمال عيد، المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، فقد انفجر غاضبا من خلال تصريحاته الخاصة على حسابه الشخصي على موقع "تويتر" مطالبا في البداية كل المصريين أن يستعدوا ليوم 25 يناير المقبل ومؤكدا أن أعمال المجلس الإرهابية لن تثني المصريين عن عزمهم لمواصلة ثورتهم التي لم تتحقق بعد، وتساءل إن كان المجلس العسكري يطارد الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني بسبب التمويلات الخارجية وأكثرها شرعي ورسمي وخاضع للقوانين المصرية، فلماذا لم تتم محاسبة المسئولين عن جمعية محمد علاء مبارك والتي وصلتها تمويلات بقيمة 296 مليون جنيه ، وعلق ساخرا، "وهو مبلغ يساوي " ميزانية الشبكة لـ 592 سنة شغل !!! والله بتكلم جد".
على صعيد آخر أعربت الولايات المتحدة عن بالغ قلقها بسبب هذه الممارسات وحثت الخارجية الأميركية السلطات المصرية على التوقف فورا عن "التضييق على موظفي المنظمات غير الحكومية". وقالت المتحدثة فيكتوريا نولاند "نحن قلقون للغاية لأن هذا تصرف غير مناسب للمناخ الحالي", مشيرة إلى أن مسؤولين أميركيين كبارا على اتصال بالقادة العسكريين المصريين للتعبير عن قلقهم من هذه المداهمة.
أما المرشح المحتمل للرئاسة الدكتور محمد البرادعي المغرم كثيرا بتويتر فقد أكد أن منظمات المجتمع المدني هي "أيقونة الحرية" وكتب على حسابه الشخصي "إن الجميع سيراقب عن كثب أي محاولات غير شرعية لتشويه منظمات حقوق الإنسان."
وبسرعة البرق، ورغم التناحر والتنافر بين منظمات المجتمع المدني المصري، عقدت 27 منظمة حقوقية اجتماعا وأصدروا بيانا اتهموا فيه "المجلس العسكري باستخدام أسلوب «تصفية الحساب» مع منظمات المجتمع المدني والنشطاء الحقوقيين، مؤكدين أن المجلس «يحاول التغطية على إخفاقاته الكبرى في المرحلة الانتقالية، بالهجوم على نشطاء المجتمع المدني الذين فضحوا انتهاكاته».
وفي الاتجاه المعاكس، وكما كان ديدنهم منذ اندلاع الثورة المصرية، كان للإخوان المسلمين موقفا مغايرا تماما، حيث وصف الدكتور رشاد البيومى النائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، ملاحقة المنظمات الحقوقية التي تلقت تمويلاً من الخارج بالإجراء الضرورى، مشيراً إلى تراخى المجلس العسكري فى ملاحقة تلك المنظمات. وأوضح البيومي في تصريحات خاصة، حتمية الملاحقة بعد اعتراف رئيس المنظمة الجمهورية لمراقبة الانتخابات ودعم التحول الديمقراطي بشأن تلقي هذه المنظمات تمويلاً من الولايات المتحدة الأمريكية. وطالب العسكري بضرورة الشفافية في ملاحقة تلك المنظمات والكشف عن حجم التمويل الذى تتلقاه.
والغريب في هذا التصريح أنه يعيدنا مرة أخرى إلى موقف الإخوان المسلمين في عهد جمال عبد الناصر عندما أقنعوه ودعموه بضرورة حل كل الأحزاب السياسية وهم على يقين أن "جماعتهم" لن يتم حلها لأنها ليست حزبا، واليوم يطالبون بضرورة الكشف عن تمويلات منظمات المجتمع المدني وينسون أو يتناسون الحديث عن تمويلاتهم الضخمة التي ينفقون منها على تنظيماتهم وحزبهم وحملاتهم الدعائية التي كادت أن تحول مصر إلى جماعة إخوانية من فرط انتشار إعلاناتهم في الانتخابات التشريعية الحالية.
من الفزع إلى النشور
وبعيدا عن ردود الفعل المختلفة وتداعيات هذه الحملة الهمجية يجب الإشارة إلى بعدين مهمين ربما لا ينفصلان عن بعضهما البعض، البعد الأول يتمثل في الهجوم المنظم من جانب المجلس العسكري على منظمات المجتمع المدني، ذلك الهجوم الذي بدأ مع الثورة المصرية وما زال مستمرا حتى اليوم بل كاد أن يصل منحناه إلى أعلى نقطة، والهدف الأساسي من ذلك بلا شك هو قمع كل من يحاول إثارة الرأي العام لعمل ثورة جديدة على المجلس العسكري الذي لم يخجل أو يتردد في الدفاع عن فساده الذي هو جزء أصيل من فساد نظام مبارك، ولأن المجتمع المدني – برغم كل مشاكله الداخلية والخارجية – هو أكثر الجهات امتلاكا لأدلة تدين المجلس العسكري بداية من قمع المتظاهرين وحبسهم خلال الثمانية عشر يوما في الثورة المصرية وانتهاء بقتل المتظاهرين في شارع محمد محمود وأمام مجلس الوزراء فقد جاءت هذه الخطوة لتجنب النار التي قد يشعلها الناشطون والحقوقيون في نفوس المواطنين والنشطاء لمواصلة الثورة التي لم يظهر منها حتى الآن إلا مجرد انقلاب عسكري على مبارك وأعداء المؤسسة العسكرية ثم على الثورة نفسها التي طالما تدشق أعضاء المجلس بحمايتها وصيانتها.
البعد الثاني يتمثل في المجتمع المدني نفسه الذي يخوض هذه الحرب مع المجلس العسكري وهو خالي اليدين من أي سلاح شعبي يمكن أن يدعمه فالمجلس الذي تعمد تشويه سمعة المنظمات الأهلية استغل بعد هذه المنظمات عن الشارع المصري، الذي تمكن منه عبر السنين الطوال الماضية النظام الفاسد والجماعات الدينية وتعلموا جيدا كيف يكسبون تأييدهم تارة بالشعارات الدينية وتارة بالخدمات الفردية وتارة بالحديث عن "لقمة العيش" التي أضعفت جسد المواطن المصري وحولته إلى جسد بلا روح وبلا عقل لا يسعى إلا إلى تلبية حاجاته المادية فقط.
لقد نفخ المجلس العسكري نفخة الفزع الكبرى لا من أجل قيامة جديدة للشعب وإنما من أجل إرهاب كل من يحاول أن يواصل الثورة ويحاسب الفاسدين، ولأن المجتمع المصري بات خاليا من كل قوة مدنية قادرة على تحويل هذه النفخة إلى ريح صرصر عاتية تجتاح المجلس العسكري وكل زبانيته الجدد، فإن الويل والثبور سيكون في انتظار هذه المنظمات جزاء بما "خسرت" يداها، وحتى لا نستبق الأحداث ونتنبأ بما لا يمكن التنبؤ به، (وهي الخبرة المستفادة من اندلاع الثورة المصرية) فإن الأيام المقبلة سوف تكون حاسمة لكل من المجلس العسكري ومنظمات العمل المدني وللشعب المصري برمته، على أمل أن تتحول نفخة الفزع إلى نفخة بعث ونشور يعود بها ومن خلالها المصريون إلى الميدان ليقولوا كلمة سواء: الشعب يريد إسقاط النظام!!

1 comment:

  1. المقال الأسبوعى بقلم : ابراهيم طاحون

    ReplyDelete