Wednesday, November 16, 2011

عريضة المجلس المركزي إلى عصبة الشيوعيين


عريضة المجلس المركزي إلى عصبة الشيوعيين

كارل ماركس و فريدريك انجلس

أيها الاخوة! 
إن العصبة, خلال سنتي 1848-1849 الثوريتين قد أثبتت وجودها من ناحيتين: فأعضاؤها في جميع الأماكن فقد اشتركوا بنشاط في الحركة, إن في الصحافة أو على المتاريس أو في ساحات المعارك, لقد كانوا دوما طليعة الطبقة الوحيدة الثورية حقا, البروليتاريا. كما أثبتت العصبة وجودها بشكل آخر,إن مفهومها للحركة, كما عرض في تعميمات المؤتمرات و المجلس المركزي عام 1847 و أيضا في البيان الشيوعي, قد ظهر على أنه وحده الصحيح, و قد تحققت الآمال المطروحة في هذه المستندات بكاملها, و أصح المفهوم عن التنظيم الاجتماعي الحالي الذي لم تكن العصبة تنشره إلا سرا في السابق, أصبح في هذه الساعة موضع نقاش الجميع و يبشر به في الساحات العامة. و في الوقت نفسه فإن الشكل القديم و المتين لتنظيم العصبة قد تراخى كثيرا. و العديد من الأعضاء الذين انخرطوا مباشرة في الحركة الثورية تصوروا أن عهد الجمعيات السرية قد ولّى و أن العمل العلني وحده كاف. و قد ترك عدد معين من الحلقات و من العميات صِلاته بالمجلس المركزي تتراخى و تضعف شيئا فشيئا. و بينما كان الحزب الديمقراطي, حزب البرجوازية الصغيرة, ينظم نفسه أكثر فأكثر في ألمانيا, كان الحزب العمالي يفقد رابطه الوحيد الصلب. و كان بالكاد يحتفظ في أحسن الأحوال بتنظيمه في بعض المناطق من أجل أهداف محلية, و لهذا السبب وقع في مجرى الحركة العام تحت سيطرة الديمقراطيين البرجوازيين الصغار و قيادتهم بشكل تام. يجب وضع حد لهذه الحالة و إعادة استقلال العمال. لقد فهم المجلس المركزي هذه الضرورة. و لهذا السبب أرسل منذ شتاء 1848-1849 مبعوثا يدعى جوزيف مول إلى ألمانيا لإعادة تنظيم العصبة هناك. و لكن بعثة مول بقيت دون مفعول ثابت: فمن جهة لم يكن بعد للعمال الألمان التجارب الكافية, و من جهة أخرى فإن نشاط مول قد أوقفته انتفاضة أيار الماضي. حمل مول بنفسه البندقية و انخرط في جيش "باد-بلاتينا" و سقط في 19 تموز في معركة "مورغ". لقد فقدت العصبة بشخصه أحد أقدم أعضائها, و أكثرهم نشاطا و أمانة, لذي كان قد عمل في كل المؤتمرات و كل المجالس المركزية و قد قام في السابق بتنفيذ عدة مهمات بنجاح كبير. و بعد هزيمة الأحزاب الثورية في ألمانيا و فرنسا في تموز 1849, التقى جميع أعضاء المجلس المركزي تقريبا, في لندن, و انضمت إليهم قوى ثورية جديدة, و استمروا بحماس جديد في إعادة تنظيم العصبة.
إن إعادة التنظيم لا يمكن أن تتم إلا بإيفاد مبعوث, و يعتبر المجلس المركزي من الأهمية بمكان أن يذهب المبعوث في هذا الوقت بالذات, حيث تلوح ملامح ثورة جديدة مما يقتضي من الحزب العمالي بأن يظهر على أقصي ما يكون من التنظيم, و التضامن, و الاستقلال إذا كان لا يريد أن يقع من جديد تحت إمرة و استغلال البرجوازية كما حصل عام 1848.
أيها الاخوة! لقد سبق أن قلنا لكم سنة 1848 أن البرجوازيين الليبراليين الألمان سيصلون إلى الحكم, و أنهم سيوجهون فورا نفوذهم الجديد ضد العمال. لقد رأيتم كيف تحقق ذلك. فبعد اضطرابات آذار 1848 استولى البرجوازيون فعلا على السلطة, و استُعملوا ليعيدوا فورا العمال حلفاءهم بالأمس إلى وضعهم الماضي كمضطهدين. فإذا لم تتمكن البرجوازية من بلوغ هذا الهدف إلا بالتحالف مع الحزب الإقطاعي الذي كانت ثورة آذار قد أبعدته, و حتى بالانتهاء إلى التخلي مجددا عن السلطة لصالح هذا الحزب الإقطاعي المطلق, فإنها على الأقل حصلت على ضمانات تضع, على الأمد البعيد و بفضل الارتباكات المالية للحكومة, كل السلطة بين أيديها و تضمن لها كل مصالحها, في حال استطاعت الحركة الثورية من الآن, و هذا مستحيل, إفساح المجال لتطور يسمى بالسلمي. و في هذه الحال لن تحتاج البرجوازية لتمكين سلطتها, أن تصبح مكروهة, باتخاذها إجراءات تعسفية موجهة ضد الشعب, لأن كل هذه الإجراءات التعسفية تكون الثورة المضادة التي سبق للإقطاعية اتخاذها. لكن التطور لن يسلك هذا الطريق السلمي. فالثورة التي ستعجله هي بالعكس على الأبواب, سواء كان سببها تحرك البروليتاريا الفرنسية المستقل أم اجتياح الحلف المقدس لبابل الحديثة (باريس).
و الدور الذي لعبه البرجوازيون الليبراليون الألمان عام 1848 تجاه الشعب, هذا الدور الذي اتسم بالخيانة الكاملة, سيلعبه في الثورة المقبلة البرجوازيون الصغار الديمقراطيون, الذين يحتلون حاليا في المعارضة المكان نفسه الذي احتله البرجوازيون اللبراليون قبل 1848. و يتألف هذا الحزب, الحزب الديمقراطي, الأخطر بكثير بالسبة للعمال من الحزب اللبرالي القديم, من ثلاثة عناصر:

1.         الأقسام الأكثر تقدما من البرجوازية الكبيرة التي تضع لنفسها هدفا هو الإسقاط الفوري و الكامل للإقطاعية و للحكم المطلق. هذا الاتجاه يمثله رجال برلين الذين كانوا يدعون في الماضي إلى الوحدة و رفض الضرائب.
2.         البرجوازيون الصغار الديمقراطيون و الدستوريون الذين كان أكثر ما سعوا إليه خلال الحركة الأخيرة إنشاء دولة كونفدرالية, و نوعا ما ديمقراطية, كما كان يريد تحقيقها ممثلوهم: يسار برلمان فرانكفورت, و لاحقا برلمان شتوتغارت, و كما كانوا يسعون إليه بأنفسهم في حملتهم من أجل دستور الإمبراطورية.
3.         البرجوازيون الصغار الجمهوريون و حلمهم جمهورية فدرالية ألمانية على غرار الكونفدرالية الهلفيتية, و يحملون اليوم اسم "الحمر" و "الاشتراكيين-الديمقراطيين", لأنهم يدغدغون مخيلتهم بالحلم اللذيذ بإزالة اضطهاد الرأسمال الكبير للرأسمال الصغير, و اضطهاد البرجوازي الكبير للبرجوازي الصغير. و ممثلو هذا النجاح هم أعضاء المؤتمرات و الجان الديمقراطية, و قياديو الجمعيات الديمقراطية, و محررو الصحف الديمقراطية.

بعد هزيمتها أصبحت هذه الفئات جميعا تنعت نفسها بالجمهورية أو الحمراء, تماما كما يسمى البرجوازيون الصغار في فرنسا الاشتراكية. ففي بلدان معينة كورتمبرغ و بافيار الخ, حيث لم يزالوا يجدون الفرصة لملاحقة أهدافهم بالطريق الدستوري, يغتنمون هذه المناسبة ليبقوا على جملهم القديمة و يبرهنوا بالأعمال على أنهم لم يتغيروا في شيء. و من البديهي أن هذا التغيير في الاسم لا يبدل إطلاقا موقف هذا الحزب تجاه العمال, بل يبرهن فقط على أنه مضطر حاليا إلى الاعتماد على البروليتاريا لمجابهة البرجوازية المتحالفة مع الاستبداد.
إن الحزب البرجوازي الصغير الديمقراطي قوي جدا في ألمانيا. فهو لا يضم الأكثرية العظمى من سكان المدن البرجوازيين و صغار التجار و الصناعيين و أرباب العمل فحسب, بل يضم أيضا في صفوفه الفلاحين و البروليتاريا و الريفيين, ما دامت بروليتاريا الريف لم تجد بعد سندها في بروليتاريا المدن, المستقلة.
إن موقف الحزب العمالي الثوري تجاه الديمقراطية البرجوازية الصغيرة هو التالي: يمشي معها ضد الفئة التي تبغي إسقاطها, و يحاربها في كل النقاط التي تريد استعمالها لتثبت نفسها بشكل متين.
إن البرجوازيين الصغار الديمقراطيين, البعيدون جدا عن إرادة قلب المجتمع بأكمله لمصلحة البروليتاريين الثوريين, يهدفون إلى تغيير الوضع الاجتماعي بشكل يجعل المجتمع الموجود محتملا و ملائما بقدر المستطاع بالنسبة لهم. فهم يطالبون قبل كل شيء بتخفيض المدفوعات العامة بالحد من البيروقراطية, و بفرض الضرائب خصوصا على الملاكين العقاريين و البرجوازيين. و يطالبون فوق ذلك بإلغاء الضغط الذي يمارسه الرأسمال الكبير على الرأسمال الصغير و ذلك بخلق مؤسسات عامة و قوانين ضد الربا, مما يتيح لهم و للفلاحين الحصول بشروط جيدة على قروض من الدولة بدل الحصول عليها من الرأسماليين. و هم يطالبون أخيرا بالإلغاء الكامل للنظام الإقطاعي لإدخال نظام الملكية البرجوازي في كل أمكنة الريف. و لتحقيق كل هذا, يحتاجون إلى دستور سياسي, ديمقراطي أو جمهوري يؤمن لهم و لحلفائهم الفلاحين الأكثرية, و إلى تنظيم ديمقراطي للعاميات يضع بين أيديهم الرقابة المباشرة على الملكية العامة و على العديد من المهمات التي ينفذها حاليا البيروقراطيون.
أما فيما يتعلق بقوة الرأسمال و نموه السريع, فستوضع كذلك العراقيل, أما بتحديد حق الوراثة ة أما بتخويل أكبر قسط ممكن من الأعمال للدولة. و بما يختص بالعمال, فالواضح قبل كل شيء أنهم سيبقون أجراء كما فيما قبل. و الشيء الوحيد الذي يتمناه البرجوازيون الصغار الديمقراطيون للعمال هو أجور أفضل و حياة أكثر طمأنينة, و يأملون الوصول إلى ذلك عن طريق تشغيل الدولة الجزئي للعمال بفضل إجراءات خيرية. و خلاصة القول أنهم يأملون دغدغة العمال بصدقات نوعا ما مموهة, و تحطيم قوتهم الثورية بجعل وضعهم يحتل مؤقتا. إن المطالب الملخصة هنا ليست ممثلة في آن معا بكل أجنحة الديمقراطية البرجوازية الصغيرة, و قليلون جدا هم أولئك الذين تشكل بالنسبة إليهم أهدافا محددة, بمجموعها. فبقدر ما يبتعد إلى الأمام بعض الأفراد أو بعض الفئات, بقدر ما يتبنون قسما كبيرا من هذه المطالب, و الأشخاص القليلون الذين يرون في ما تقدم برنامجهم الخاص, قد يتصورون أنهم قد حددوا هكذا أقصى ما يمكن مطالبة الثورة به. و لكن هذه المطالب لا يمكنها إطلاقا أن تكفي حزب البروليتاريا. و بينما يريد البرجوازيون الصغار الديمقراطيون إنهاء الثورة بأسرع وقت ممكن و بعد أن يحصلوا في أحسن الأحوال على تحقيق المطالب المذكورة أعلاه, فإن من مصلحتنا و من واجبنا أن نجعل الثورة دائمة, إلى أن تُطرد من السلطة كل الطبقات المالكة شيئا ما, و أن تستولي البروليتاريا على السلطة العامة, و إلى أن تحرز جمعية البروليتاريا, ليس فقط في بلد واحد بل في كل بلدان العالم الرئيسية, التقدم الكافي لإلغاء المزاحمة بين البروليتاريا في هذه البلدان, و تركيز قوى الإنتاج الحاسمة على الأقل بين أيديهم. بالنسبة إلينا, لا يمكن للمسألة أن تكون في تغيير الملكية الخاصة, بل فقط في إبادتها. لا يمكنها أن تكون في حجب الخصومات الطبقية, بل في إزالة الطبقات. لا في تحسين المجتمع القائم, بل في تأسيس مجتمع جديد. وليس موضع الشك بالنسبة لأحد أن يكون للديمقراطية البرجوازية الصغيرة خلال التطور اللاحق للثورة و لفترة ما, النفوذ الغالب في ألمانيا. فالقضية إذن هي في معرفة ماذا يكون موقف البروليتاريا تجاهها و خاصة موقف لعصبة:

1.         طالما دام الوضع الحالي حيث الديمقراطيون البرجوازيون الصغار هم أيضا مضطهدون.
2.         خلال النضال الثوري المقبل الذي سيعطيهم الغلبة.
3.         بعد هذا النضال, طالما ستستمر غلبة الديمقراطيون البرجوازيون الصغار هذه على الطبقات المسقطة و على البروليتاريا.


1.         في هذا الوقت, حيث البرجوازيون الصغار الديمقراطيون مضطهدون في كل مكان, فإنهم يعظون بشكل عام البروليتاريا بالوحدة و المصالحة. و يمدون لها اليد و يجهدون في تشكيل حزب معارض كبير, يضم كل فروقات الحزب الديمقراطي. و بعبارة أخرى, يجهدون في تجنيد العمال في تنظيم حزبي تغلب فيه الأفكار العامة للاشتراكية-الديمقراطية التي تشكل ستارا لمصالحهم الخاصة, و حيث يُمنع إبراز مطالب البروليتاريا المحددة, لعدم الإخلال بالوفاق. إن وحدة كهذه ستتحول لمصلحة البرجوازيين الصغار الديمقراطيين وحدهم و ضد مصلحة البروليتاريا كليا. و ستخسر البروليتاريا كامل وضعها المستقل الذي كلفها مجهودا كبيرا, و تسقط إلى مستوى مجرد ملحق بالديمقراطية البرجوازية الرسمية. يجب إذن رفض هذه الوحدة بشكل قاطع. بدل الانحطاط مرة إضافية إلى دور حذاء يستعمله الديمقراطيون البرجوازيون, على العمال عامة, و لا سيما العصبة, العمل إلى جانب الديمقراطيين الرسميين لتشكيل تنظيم مستقل, سري و علني, للحزب العمالي, و لجعل كل عامية مركزا و نواة لتجمعات عمالية حيث تناقش مواقف البروليتاريا و مصالحها بمعزل عن النفوذ البرجوازي. أما مدى أخذ الديمقراطيين البرجوازيين بجدية تحالفا يكون فيه للبروليتاريين قوتهم و حقوقهم ذاتها, فهذا ما يبرهنه لنا مثلا ديمقراطيو "بريسلو" في لسان حالهم الـ"نوي اودرزايتونغ" حيث يهاجمون بالشكل الأكثر سخطا العمال الذين يلقبونهم بالاشتراكيين المتجمعين في تنظيمات مستقلة. إذا كان الأمر يتعلق بمحاربة خصم مشترك فليس هنالك حاجة لأية وحدة خاصة. فمتى وجدت ضرورة مكافحة خصم كهذا, تتطابق مصالح الحزبين مؤقتا: و في المستقبل و كما حصل حتى اليوم ستتحقق هذه الوحدة المتوقعة فقط للحظة من تلقاء نفسها. من البديهي أن العمال سينتصرون في النزاعات الدامية القادمة, كما في الماضي, بشجاعتهم, و تصميمهم, و تضحيتهم. و كما في الماضي سيظهر البرجوازيون الصغار في أكثرهم في هذا الصراع مترددين, حائرين, و غير نشطين. و لكن ما أن يحرز النصر حتى يحتكروه لأنفسهم, و يدعون العمال لالتزام الهدوء و العودة إلى منازلهم و أعمالهم, و يتجنبون التجاوزات المزعومة, و يحرمون البروليتاريا من ثمار النصر. ليس باستطاعة العمال منع ديمقراطيين برجوازيين صغار من التصرف بهذا الشكل. و لكن بمقدورهم أن يجعلوا صعود الديمقراطيين هذا بوجه البروليتاريا المسلحة أكثر صعوبة, و أن يملوا عليهم شروطا تجعل سيطرة الديمقراطيين البرجوازيين تنطوي من أصولها على بذور موتها و تجعل حلول سيطرة البروليتاريا اللاحقة مكانها أسهل بدرجة كبيرة. المهم بشكل خاص هو أن يعمل العمال ما أمكن خلال النزاع و بعد انتهاء الصدام مباشرة ضد التهدئة التي يبشر بها البرجوازيون, و أن يجبروا الديمقراطيين على تنفيذ شعاراتهم الإرهابية الحالية. يجب أن تتجه جهودهم ضد قمع التحريض الثوري المباشر, بعد تحقيق النصر مباشرة. إن عليهم بالعكس أن يحافظوا عليه أطول مدة ممكنة. و بدل التصدي للتجاوزات المزعومة, لأمثلة الانتقام الجماهيري ضد أشخاص مكروهين أو ضد أبنية عامة لا ترتبط بها إلا ذكريات شنيعة, يتوجب لا التغاضي عن ذلك فقط, بل الإمساك بقيادتها بنفسنا. و على العمال خلال الصراع و بعده أن يرفعوا في كل مناسبة مطالبهم الخاصة إلى جانب مطالب الديمقراطيين البرجوازيين. و عليهم ما أن يستعد البرجوازيون الديمقراطيون لاستلام الحكومة, المطالبة بحزم بضمانات للعمال و الحصول عليها عند الضرورة إثر نضال واسع. و باختصار, يجب إجبار الحكام الجدد على إعطاء كل التنازلات و كل الوعود الممكنة. هذه هي أضمن وسيلة لتوريطهم. على العمال محاولة التخفيف ما أمكن من نشوة النصر و الفرحة العظيمة بالوضع الجديد, و هي نتيجة كل نصر يحقق في الشارع, بتحليل الحالة بكل هدوء و أعصاب باردة, و بإظهار ريبة غير مبطنة تجاه الحكومة الجديدة. يجب عليهم في الوقت نفسه تشكيل حكوماتهم العمالية الثورية الخاصة إلى جانب الحكومات الرسمية الجديدة, إما بشكل بلديات أو مجالس بلدية, أو في أشكال نواد أو لجان عمالية, بطريقة لا تجعل الحكام الديمقراطيين البرجوازيين يخسرون فقط مساندة العمال بل يشعرون و منذ البداية بأنهم مراقبون و مهددون من قبل سلطات يمشي وراءها جمهور العمال كله. و بكلمة واحدة: مباشرة بعد إحراز النصر, لا يجب لحذر البروليتاريا أن يتجه ضد الحزب الرجعي المهزوم بل ضد حلفائها القدامى, ضد الحزب الذي يريد الاستفادة وحده من النصر المشترك.

2.         و لكن للتمكن من اتخاذ موقف حازم و متهدد من هذا الحزب الذي سيبدأ بخيانة العمال منذ الساعة الأولى للنصر, على هؤلاء أن يكونوا مسلحين و منظمين. يجب القيام فورا بما هو ضروري لتسليح كل البروليتاريا بالبنادق و الغدارات و المدافع و لتأمين الذخائر. و يجب الوقوف من جهة أخرى ضد إعادة إنشاء الحرس الوطني القديم الموجه ضد العمال. و حيث يتعذر على العمال منع ذلك فليحاولوا أن يتنظموا في حرس بروليتاري مستقل ذاتيا له قواده و هيئته أركانه العامة المنتخبون من قبلهم و الذين لا يتلقون الأوامر من السلطة العامة بل من المجالس البلدية الثورية التي يشكلها العمال. أما حيث يكون العمال مجندين في خدمة الدولة, فعليهم التصرف بشكل يؤمن لهم التسلح و التنظيم في فرقة خاصة قوادها من اختيارهم. أو في فصيلة من الحرس البروليتاري. و يجب, مهما كانت الحجة, عدم التخلي عن السلاح و الذخيرة و منع كل محاولة لنزع السلاح, بالقوة عند الضرورة. إن إبطال نفوذ الديمقراطيين البرجوازيين لدى البروليتاريا, و إنجاز تنظيم العمال بشكل مستقل و تسليحهم فورا, و مواجهة السيطرة, التي لا بد منها حاليا, للديمقراطية البرجوازية بأقصى ما يمكن من الشروط المزعجة و المورطة, هذه هي النقاط الأساسية التي على البروليتاريا و بالتالي على العصبة أن تضعها دائما أمام أعينها خلال الانتفاضة المرتقبة, و بعدها.
3.         ما إن تثبت الحكومات الجديدة نوعا من ركائز حكمها, حتى تبدأ فورا صراعها ضد العمال. و لكي يتمكن هؤلاء في هذه الحالة من مجابهة البرجوازيين الصغار الديمقراطيين بقوة, يجب قبل كل شيء أن يكونوا منظمين و ممركزين في نواد مستقلة ذاتيا. إن المجلس المركزي سينتقل, بعد سقوط الحكومات الحالية, بأسرع ما يمكن إلى ألمانيا, و سيطلب عقد مؤتمر يحيل إليه الاقتراحات اللازمة لمركزه النوادي العمالية تحت قيادة يكون مقرها المركز الرئيسي للحركة. إن من أهم النقاط الضرورية لتقويم و توسيع صفوف الحزب العمالي, الإسراع بتنظيم اتحاد للنوادي العمالية و لو في مقاطعة واحدة. إن النتيجة الفورية لسقوط الحكومات الحالية, ستكون انتخاب مجلس تمثيلي وطني. و على البروليتاريا أن تتصرف, وفقا لسياق الأفكار هذا, كما يلي:

1.                                 عليها أن تسهر على ألا يُفصل لأي عدد من العمال مهما كان السبب كشكاوي السلطات المحلية أو اللجان الحكومية.
2.                                 عليها العمل على أن يتقدم في كل جنب إلى جنب مع المرشحين الديمقراطيين البرجوازيين, مرشحون عماليون يجري اختيارهم بقدر المستطاع من أعضاء العصبة, و يجب تأمين انتخابهم بكل الوسائل الممكنة. و حتى في الأماكن حيث لا يوجد أي أفق بالنجاح, على العمال أن يقدموا مرشحيهم بغية المحافظة على استقلالهم, و حساب قوتهم و نشر موقفهم الثوري و وجهات نظر حزبهم علنا. عليهم ألا يُخدعوا في هذا التكتيك بجمل الديمقراطيين الجاهزة كالقول مثلا بأن تصرفهم هذا سيقسم الحزب الديمقراطي و يعطي الرجعية فرصة الانتصار. إن كل هذه العبارات لا تبغي في التحليل الأخير, إلا هدفا واحدا: خداع البروليتاريا. إن التقدم الذي سيحرزه الحزب البروليتاري بلا شك بموقف مستقل كهذا, أهم بما لا يقاس من السيئات التي يمكن أن تنتج عن وجود بعض الرجعيين في المجلس التمثيلي الشعبي. إذا اتخذت الديمقراطية منذ البداية موقفا مصمما و إرهابيا تجاه الرجعية, فإن نفوذ هذه في الانتخابات سيكون معدوما مسبقا.

إن النقطة الأولى التي سيقع عليها النزاع بين الديمقراطيين البرجوازيين و العمال ستكون مسألة القضاء على النظام الإقطاعي. و كما حصل إبان الثورة الفرنسية الأولى, سيطالب البرجوازيون الصغار بإعادة الأراضي الإقطاعية إلى الفلاحين كملكية حرة. و بتعبير آخر سيبغون الإبقاء على البروليتاريا الريفية و تكوين طبقة فلاحية برجوازية صغيرة, تسلك مجرى الإفقار و الديْن نفسه الذي ما زال الفلاح الفرنسي حتى الآن يتخبط فيه.
يجب على العمال, لمصلحة البروليتاريا الريفية و لمصلحتهم الخاصة, أن يعارضوا هذا المخطط. عليهم أن يصروا على إبقاء الملكية المصادرة ملكا للدولة, و تحويلها إلى مستعمرات عمالية تستغلها البروليتاريا الريفية المتجمعة في تعاونيات, مع كل حسنات الزراعة الكبيرة, مما يكسب فورا مبدأ الملكية الجماعية قاعدة قوية وسط الظروف المتزعزعة للملكية البرجوازية. و كما يقيم الديمقراطيون تحالفا مع المزارعين, على العمال أن يتحالفوا مع البروليتاريا الريفية. و سيحاول الديمقراطيون فوق ذلك إما الإعداد مباشرة للجمهورية الفدرالية و إما على الأقل, إذا لم يكن بوسعهم تجنب الجمهورية الواحدة التي لا تتجزأ سيحاولون شل الحكومة المركزية بإعطاء العاميات و المقاطعات أقصى ما يمكن من الاستغلال و الحكم الذاتي. و بعكس هذا المخطط, على العمال ليس فقط استكمال إنشاء الجمهورية الألمانية الواحدة التي لا تتجزأ, بل أيضا محاولة تحقيق, ضمن هذه الجمهورية, المركزة القصوى للقوة بين أيدي الدولة. يجب ألا تضللهم روايات الديمقراطيين عن حرية العاميات و عن الحكومات المستقلة ذاتيا الخ. ففي بلد كألمانيا حيث ما برح ينبغي إزالة الكثير من آثار القرون الوسطى و تحطيم الكثير من الخصوصيات المحلية و الإقليمية, لا يمكن بأي ظرف من الظروف التغاضي عن قيام كل قرية و كل مدينة و كل مقاطعة برفع حاجز جديد في وجه النشاط الثوري الذي لا يقدر أن ينبع بكل قوته إلا من المركز.
لا يمكن القبول بتجدد واقع الأمور الحالي الذي يفرض على الألمان خوض معارك خاصة في كل مدينة و كل مقاطعة من أجل تقدم واحد و مشترك و لا يمكن خصوصا القبول بدوام شكل معين للملكية لا يزال محجوبا وراء الملكية الخاصة الحديثة و الذي سينتهي بالضرورة إلى الاندماج بها في كل مكان, أعني به شكل الملكية العامة مع كل ما يرافقه من خصومات محتمة ما بين عاميات غنية و عاميات فقيرة, و كذلك فإن قانون مواطن العامية, المليء بالمماحكات, الذي يتعايش مع قوانين مواطن الدولة, سوف يستمر على حساب العمال بواسطة تشريع للعامية معتبر ليبراليا. و كما حصل في فرنسا عام 1793, فإن تحقيق المركزة الأكثر صرامة هو اليوم في ألمانيا مهمة الحزب الثوري حقا.
لقد رأينا كيف سيصل الديمقراطيون إلى الحكم خلال الحركة القادمة, و كيف سيضطرون لاقتراح إجراءات إلى حد ما اشتراكية. و قد نتساءل ما هي الإجراءات التي يجب أن يقترحها العمال؟ من البديهي أنهم لا يستطيعون بعد في بداية الحركة اقتراح إجراءات مباشرة شيوعية. و لكن بإمكانهم القيام بالأمور التالية:

1.         إجبار الديمقراطيين على التدخل ما أمكن في التنظيم القائم و عرقلة خط سيره المنتظم, و على توريط أنفسهم, بالإضافة إلى تجميع أكبر عدد ممكن من القوى المنتجة و وسائل النقل و المصانع و سكك الحديد الخ. بين أيدي الدولة.
2.         أن يدفعوا باقتراحاتهم الديمقراطيين, الذين لن يكونوا على أي حال ثوريين بل إصلاحيين ليس إلا, إلى أقصى الحدود, محولين إياها إلى هجمات مباشرة على الملكية الفردية. فعندما يقترح البرجوازيون الصغار شراء سكك الحديد و المصانع مثلا, على العمال المطالبة بحزم بمصادرة سكك الحديد و المصانع هذه رأسا وبدون تعويض بوصفها ملكا للرجعيين. و إذا اقترح الديمقراطيون ضريبة نسبية فعلى العمال أن يطالبوا بضريبة تصاعدية. و إذا اقترح الديمقراطيون أنفسهم ضريبة تصاعدية معتدلة, فعلى العمال أن يصروا على ضريبة ترتفع نسبها بسرعة بحيث تؤدي إلى تحطيم رأس المال الكبير. إذا طالب الديمقراطيون بتسوية ديون الدولة , فعلى العمال أن يطالبوا بإعلان إفلاسها. إن مطالب العمال يجب أن تتحد إذن و حيثما كان وفق تنازلات الديمقراطيين و إجراءاتهم.

وإذا لم يتمكن العمال الألمان من استلام السلطة و تغليب مصالحهم الطبقية دون المرور بشكل كامل بتطور ثوري طويل نسبيا, فإنهم, هذه المرة, أكيدون على الأقل, أن أول فصل من هذه المأساة الثورية المداهمة سوف يطابق الانتصار المباشر لطبقتهم نفسها في فرنسا مما يؤدي إلى الإسراع بثورتهم.
إلا أنه عليهم المشاركة بأنفسهم بانتصارهم النهائي, بوعيهم لمصالحهم الطبقية و تنظيمهم بأسرع ما يمكن كحزب مستقل, و بعدم إغفالهم و لو للحظة واحدة, بالرغم من الخطابات الخبيثة التي يرددها البرجوازيون الصغار الديمقراطيون, عن تنظيم حزب البروليتاريا بشكل مستقل. إن صيحة حربهم يجب أن تكون: الثورة الدائمة!
كارل ماركس و فريدريك أنجلز
لندن – آذار 1850

1 comment: