Monday, December 31, 2012

الوعي الاجتماعي بمنظور ماركسي


الوعي الاجتماعي بمنظور ماركسي
الوعي الاجتماعي بمنظور ماركسي

عندما كان ماركس يعد مادة كتابه (مساهمة في الاقتصاد السياسي)، هذه المواد الدسمة التي استخدمها فيما بعد في كتاب (رأس المال)، درس كتاب (علم الجمال) لفيشيه وأخذ منه مقتبسات كثيرة، وفي هذه الآونة كتب بحثه المعروف عن الفن الإغريقي وتساءل؛ أكان أخيل يمكن أن يوجد مع وجود البارود والرصاص أو عموماً، هل كان من الممكن ألا توجد الإلياذة مع وجود الطباعة وآلات الطباعة؟ وبالضرورة، تتلاشى الأغاني والأساطير وبنات الحي أمام قضبان المطابع، ومن ثم تختفي كذلك الظروف التي أوجبت ظهور الشعر الملحمي، وبحث ماركس في وجه الشبه بين التناقض الكامن في علم الحجال، وبين التناقض الكامن في العالم المسيحي، ويقصد به العالم الرأسمالي، وهو (نقيض الهدف) الذي أثاره هيجل من قبل، وحلل ماركس (الصفة الغربية التي للسلعة) و(الطلاسم التي ترتبط بمنتجات العمل بمجرد أن تظهر برصفها سلعاً، طلاسم لا تنفصل عن هذا الطراز من الإنتاج).
إذن أي فكرة استقى ماركس وإنجلز من التطور العام للفنون في عصرها؟ لقد كتب أن لكل فرد متعته وواجبه وهو يعني بذلك أن المجتمع القديم سمح بإيجاد توازن معين بين قطاعات الاقتصاد التجاري المتنوعة ونشط إيجاد السلع النافعة، فسبّب ذل تحسين حالة المنتجات والمنتجين، وأفاد الفنون التناقض الضخم في المجتمع الإغريقي بين العبد والحر، بين البروليتاريا والبورجوازية.
لولا نظام الرق لما وجدت الدول الإغريقية، ولما وجدت علومهم وفنونهم، وحيث أن العمل البشري كان كذلك قليل الإنتاج للغاية، بحيث لم يكن الإنتاج يتجاوز حد إشباع ضرورات الحياة، فإن تكاثر القوى المنتجة واتساع حركة الانتقال، وتطور نظام الدولة والشرع، وخلق الفن والعلم، لم يكن من الممكن أن يوجد إلا بفضل التقسيم الشديد للعمل، الذي كان لابد من قيامه ليؤسس لقيام تقسيم أكبر، للعمل بين الطبقات المهيأة للعمل اليدوي البسيط وبين القلة من المحظوظين الموكل إليهم إدارة العمل والإنتاج وشئون الدولة والمهن الفنية والعلمية بعدها. لقد خلقت البرجوازية عجائب أخرى غير أهرامات الجيزة، إن الأعمال الفكرية لأمة من الأمم تصبح الملكية المشاعة للجميع، وتصبح العزلة القومية وضيق الأفق الفكري أكثر استحالة يوماً بعد يوم، ومن تضاعف الآداب القومية والمحلية يولد أدب عالمي. وخلقت الرأسمالية بتجميعها للعمال وتركيزها للإنتاج، ظروفاً تحتم سقوطها وتمهد للاشتراكية، فعندما تستولي ثورة اجتماعية عظيمة على ما حققه العهد البرجوازي من فتوحات السوق العالمية وقوى الإنتاج الحديث، وتخضعه للطبقات الأكثر تقدماً، عندئذ فقط يتوقف التقدم الإنساني عن استعادة ذكرى الآلهة الكريهة التي كانت تتناول طعامها في جماجم ضحاياها. فهل خلقت العبودية حضارة الإغريق؟ وهل خلق قمع الإقطاع الترتيبي العادل؟ العقد الجدلي بنظرية سلب السلبي يستطيع أن يفكر بسهولة في هذه البديهيات ما قالت الجمعيات الأخوية العتيقة في حكمتها الموجزة: النظام من الفوضى!
( كارل ماركس ) هو الوقفة الثالثة في تاريخ الفكر العالمي بعد أفلاطون وهيجل! هذا هو رأي ( سارتر ) فهو يرى أن الماركسية هي فلسفة المرحلة المعاصرة وستظل كذلك طالما أن الظروف الموضوعية التي أوجدتها قائمة، وأننا لا نجد في هذه المرحلة فلسفات نظرية تستحق الاهتمام مثلما تستحق الفلسفة الماركسية والأيديولوجية الوجودية، ويفرق سارتر بين الاثنين بقوله إن الماركسية هي الفلسفة الحقيقية ولكن الوجودية مجرد أيديولوجية، والماركسية فلسفة كونية ولكن الوجودية تحفل بإبراز ومناقشة جوانب كونية معينة دون سواها، ولكن يعيب الماركسية أن أصحابها أوقفوها عند حدودها الأولى وألغوا الاجتهاد وجعلوها فلسفة نصية يتهددها الجمود والأرثوذكسية، ويدعو إلى تلقيح الماركسية بالوجودية وبمعاني الحرية الفردية، فهكذا تتفتح الماركسية على آفاق أرحب وتتسع مجالاتها وتنطلق على طريق مفتوح ودرب لا ينتهي.
يرى ماركس أن الفكر الفلسفي هو أداه للتغيير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وفهم قوانين التطور التاريخي، وأرسى قواعد المادية الجدلية وهي النظرية التي تُقرر بأن المادة هي كل الوجود وأم مظاهر الوجود على اختلافها نتيجة تطور متصل للقوى المادية، وأن ما هو عقلي يتطور عما هو مادي ولابد أن يفسر على أساس طبيعي. هنا ينبغي أن نذكر تعريف المادة حسب ما جاء في مقدمة كتاب النظرية المادية في المعرفة لجارودي الذي كتبه للتدليل على عدم وجود سبيل ثالث للنجاة من هذه المشكلة الجدلية المحدودة بوجهتين وهي مشكلة المثالية والمادية؛ فيؤكد أن ظاهرات الكون هي مختلف وجوه المادة التي هي في حركة؛ إذ أن المادة هي ما يوجد خارج ذهني، وخارج كل ذهن، وليس بحاجة إلى أي ذهن كي يوجد، ويترتب على هذا أن المادة هي الحقيقة الواقعية الأولى التي ليست أحاسيسنا وليس فكرنا إلا نتاجاً لها وانعكاساً عنها، وأن العالم وقوانينه يمكن النفوذ إليها بكاملها من قِبل المعرفة التي تراجعها التجربة والنشاط العملي ويتثبتان من صحتها، والمادة في الفكر الماركسي هي جوهر العالم، وهي مستقلة، ووجودها سابق على فكرتها، وما الفكر إلا انعكاس لما يقع خارجه في العالم المادي الطبيعي وفي الحياة الاقتصادية والمجتمع والسياسة، وأكّد أن الأشياء والأفكار تتفاعل معاً في حركة جدلية، إلا أن الأشياء المادية السابقة على وجود أفكارنا عنها تتصارع دائماً مع الأشياء الموجودة أمامنا في نظام تطور مستمر.
كف علم الطبيعة عن دراسة الأشياء والوقائع منفصلة عن بعضها البعض وتحوّل إلى علم نظري يسعى إلى تفسير هذه الوقائع، وإيجاد الصلة بينها على أساس مادي، جدير بالذكر هذا وجود نظريات هامة كبقاء الطاقة وتحولها والتركيب الخلوي للكائن الحي والتطور عن داروين، وهكذا تشكلت نظرية المادية الجدلية عند ماركس، فكل شيء طبيعي وكل ظاهرة تشمل طرفي تضاد، ولا يمكن أن يظل هذان الطرفان في سلام؛ فمن المحكم أن ينشأ بينهما صراع لا يقضي على وحدة الشيء أو الظاهر، بل يفضي إلى تغلب الطرف المعبر عن التقدم على الطرف الآخر فيحدث التحول، وهكذا يحدث التطور، وكل شيء فيه تضاد: حرارة وبرودة، حياة وموت، أنانية وإنكار ذات. ويحدث التحول عندما يتغلب طرف على آخر دون القضاء على وحدة الشيء، فيغدو الأمر أكثر تعقيداً عند تطبيقه على المجتمع والسياسة، فالمجتمع الرأسمالي يشمل البرجوازية والبروليتاريا، وكلاً من الطبقتين تفترض وجود الطبقة الأخرى على الرغم من تضاد أهدافهما! كلاهما يصارع الآخر، العامل الفقير يكافح في حنق الموظف الأنيق المتغطرس والأخير يرى الأول عبداً ! ولكن كلاهما يحافظان على وحدة المجتمع الرأسمالي.
ثم أوضح ماركسي قانون الانتقال من التغير الكمي إلى التغير الكيفي، موضحاً كيف يسير التطور، فالتغير الكمي يحدث من ناحية المقدار أما الكيفي فمن ناحية الصفات. وعندما تتراكم التغيرات الكمية وتتزايد يتم التغير الكيفي، فعندما تختفي الملكية الرأسمالية سوف يحل النظام الاشتراكي، وبينما يحدث التغير من الرأسمالية إلى الاشتراكية إلى الشيوعية يحدث تغيير بطيء مستمر.
قانون آخر مهم هو قانون سلب السلبي الذي يكشف عن الاتجاه العام للتطور في العالم المادي، حيث أن تاريخ العالم الإنساني يتكون من حلقات نفي أو سلب النظم الحديثة للنظم القديمة البالية، إذ قضى مجتمع الرقيق على الشيوعية البدائية، وقضى الإقطاع على مجتمع الرق، وقضت الرأسمالية على الإقطاع، وقضت الاشتراكية على الرأسمالية، وكل نظام يضم ضمن مكوناته مبادئ معينة، ولا يعني السلب أو الجديد ينسج القديم كله، بل يستبقى أفضل ما فيه ويدمجه في الجديد ثم يرفعه إلى أعلى.
ولا تؤمن المادية الجدلية بالغيبيات، فهي لا تناقش إلا المحسوس والملموس، وترى أن كل ما في الوجود يضم عناصر متناقضة متصارعة وهذا الصراع بين الشيء ونقيضه ينشأ عنه شيء أرقى في الدرجة ( سلب السلب ).
ومبادئ المادية الجدلية باختصار هي: التعبير عن الصراع الطبقي، والمصالحة المادية التاريخية، وأنه ليس المهم فهم العالم، وإنما العمل على تغييره فوراً. المادة تغير الوجود وتفسر التاريخ وتوجه العالم. التاريخ عبارة عن صراع بين الطبقات نتيجة عوامل اقتصادية. الاقتصاد وعوامل الإنتاج هما أساس كل ظاهرة اجتماعية. الدعوة لتغيير العالم لصالح الكادحين وتحرير البروليتاريا ورفض الميتافيزيقا. وتفسير الأحداث والتاريخ تبعاً لنظام الملكية، ومحاربة الأديان واعتبار الدين أفيون الشعوب لتخديرها وخدمة الرأسمالية والإمبريالية الاستعمارية. الإيمان بأزلية المادة وأن العوامل الاقتصادية هي المحرك الأول للأفراد والجماعات. الأخلاق نسبية وهي انعكاس لآلة الإنتاج. القضاء على الاستغلال الفردي وسحق، والفكر المركسي هو عملية متكاملة وشاملة لجوانب ثقافية واقتصادية واجتماعية يقوم بها المجتمع من أجل رفاهية الشعب كله وفق خطة تتفق وفلسفة المجتمع الماركسي وأساس التربية الاشتراكية هو ربط التعليم بالعمل الإنتاجي الصناعي الحديث والممارسة الفعلية العملية العلمية، وهي تربية مستمرة تسيطر عليها الدولة وتوجهها كما تريد لخلق أجيال تدين بمبادئ الشيوعية وتعمل على الزود عنها.
وتقدم التربية الماركسية على التعليم الإلزامي الجماعي الموحد لجميع المواطنين، ومساواة الجنسين والأجناس والقوميات المختلفة في فرص التعليم، وأن التعليم وظيفة الدولة ولا يحق لأي فئة أو منظمة أو جمعية غير رسمية أو فرد أن يؤسس إدارة تعليمية. التربية الماركسية مخطط لها اقتصادياً، واجتماعياً بشمولية ومرونة علمية ديمقراطية والتربية في المجتمعات الاشتراكية الماركسية مستمرة، وللجميع، وتؤكد على قيمة الإنسان وأهميته وذكاؤه وقدرته على إنتاج وكفاءته، وتعتبر المؤسسة هي الأم وترتبط بالحياة الاجتماعية ارتباطاً محكماً وعادلاً. ويجب تربية الأجيال تربية اشتراكية تشمل أيديولوجية معينة نابعة من المعتقدات الخاصة بالمجموع وينبغي الاهتمام بالتنمية الشاملة وبالعلوم والتكنولوجيا التي تكرس لخدمة الشعب بشكل عام. ويجب محو أثر الأديان من كافة المدارس وتدرس بدلاً منها المادية الجدلية ومبدأ اللا طبقية بين التلاميذ.
على الملم أن يكون مؤمناً بالفلسفة الاشتراكية وأن يكون متفهماً للمبادئ الماركسية وتطبيقها في المجال الدراسي ( لا صوت يعلو فوق صوت المعركة !! ) والغرض هو الوصول إلى رفاهية المجتمع. ويجب أن يكون المعلم مثقفاً محباً للعلوم كافة وأن يقف في طليعة العناصر الوطنية الشاعرة بمسؤولياتها نحو المجتمع.
أما التلميذ فينبغي عليه أن يحترم أستاذه ( ولا يخالفه ) وأن يلتزم بتعاليم الاشتراكية والعادات الماركسية، وأن يحب العلم والبحث وأن يكون ملماً بحقوقه وواجباته وأن يشارك في طرح وجهات النظر، كما أن له الحق في تنظيم حياته الاجتماعية واختيار القيادات التي يرتاح لها.
وأسلوب التدريس يجب أن يكون بشكل جماعي لتحقيق مشاركة أوسع من كل التلاميذ، فيكون الكل كأسرة مدرسية لا تعليم فردي يورث للأطفال حب الأنانية والمنافسة. ويجب التأكيد على الجوانب العلمية التطبيقية وتوفير المختبرات المعملية وتشجيع الطلاب على التجريب واكتساب مهارات تقنية وأن يعتادوا العمل وحب الحركة؛ فالتدريس داخل جدران الفصول منبوذ. يجب أن يعرف الطالب أنه لكي يعيش لابد أن ينتج، ولكي ينتج يجب أن يتعاون مع الرفاق وأن يكتسب معهم وبهم ولهم وفيهم ومنهم خبرات عملية لا إشراف من وراء زجاج المكتب. فالإنسان بيده اكتشف النار واخترع العجلة والمنظار ورأى به أبعد النجوم وأدق الميكروبات. هذه الأدوات لسخرة العلم والحياة، ليست حكراً على أحد ولا لخدمة فرد دون غيره مهما بلغ من تفرّد.
أُطلقت الماركسية على أعمال كلا من ماركس وإنجلز وأهمها البيان الشيوعي الصادر في 1848 ونقد الاقتصاد السياسي الذي وضع أساس نظرية فائض القيمة، والكتاب الذي تأخر نشره عن الأيديولوجية الألمانية، وكتاب رأس المال الذي صدر في ثلاثة أجزاء، وكتاب إنجلز، الرد على دورينج، وبحثه عن فيورباخ، ثم كتب بؤس الفلسفة ( الذي يرد فيه ماركس على فلسفة البؤس لبرودون)، جدير بالذكر ما أضافه لينين لهذه النظرية ما جعلها توصف بالماركسية كيفية تحقيق العدل في المجتمع الإنساني وليس كقيمة أخلاقية مجردة وشرح المفكرون الأوجه العديدة للماركسية، وكاد يوهن في الشيوعية بين النظرية والتطبيق، الوجه الأول للماركسية يتمثل في نظرية المادية الجدلية بخلع صفات الفكرة المطلقة عند هيجل على المادة التي لا شيء غيرها في الوجود وهي أساس الأفكار والمبادئ، وتتطور طبقاً لقوانين الجدل ( الديالكتيك ) ومنها قانون الارتباط ( الجوانب المختلفة للطبيعة تترابط بعمق معاً، فلظاهر المتعددة غير منفصلة في المصدر ) وقانون التحول ( الكم يصير كيفياً فلا تبقى الظواهر كما هي بل هي في حالة تغير مستمر ) وقانون وحدة المتناقضات ( الأضداد متحدة، (س) تحتوي دائماً على (لا - س)، والطريق إلى الغرب، يؤدي أيضاً إلى الشرق، وعليه فإن تبدل الشيء من النقيض إلى النقيض لم يطرأ عليه بفعل عوامل خارجية وإنما كجزء من طبيعة الشيء ذاته ) وقانون سلب السلب ( نفي النفي مزيج مركب من مرحلتي الإثبات والنفي، أي أن الانتقال من النقيض إلى النقيض – من الإثبات إلى النفي – يجعل هذا النقيض في حد ذاته يعد وضعاً جديداً ينتقل بدوره إلى نقيضه أي إلى نفي النفي، عندما يتبدل الحب إلى كراهية ( لا حب )، هذه الحالة تنتقل إلى ( لا – لا حب ) ).
والمادية الجدلية بمثابة منهج شامل لأنصارها لتفسير حركة الطبيعة والحياة، وتأتي نظرية المادية التاريخية كتطبيق لهذا المنهج على التاريخ الذي ما هو إلا – في الفكر الماركسي – حركة جدلية محتومة بفعل تناقضات البشر وصراع الطبقات، فالحادث التاريخي الأول هو صنع أداة إنتاج مما يحتم تعاون البشر معاً ومع الطبيعة ومع الخبرة، فتنشأ ( علاقات إنتاج ) بين البشر تتطور إلى علاقات اجتماعية، ففي فجر التاريخ كانت مهارات الإنتاج هي صنع شرارة وسهم ومقاعد حجرية، ولما كانت القدرات الإنتاجية ضعيفة أمام قوى الطبيعة لم يسمح بوجود فائض للاستهلاك وبالطبع عدم وجود ملكية فردية، وبالتالي شاعت ملكية الأشياء ونعمت البشرية بغياب التمييز الطبقي، وبسبب عجز الإنسان أمام الطبيعة، ابتكر الأسطورة ليفسر ظواهرها.
لكنه فيما بعد تطور وعرف المعادن والآلات والزراعة وتربية الحيوان وظهر الفائض الإنتاجي أوجب الملكية الخاصة لطبقة تتكاسل عن العمل فانتقل المجتمع من الشيوعية البدائية إلى العبودية ونشأت تبعاً لذلك أخلاقيات جديدة منها وجوب احترام السيد وصاحب الأرض والدار، وظهور نظام الحريم فالذي يملك المرأة أوجب عليها صفة العفة وطالبها أن تخلص له إخلاصاً يبرر له أن يورث ثروته المتجمعة إلى أبناء تزعم له أنهم أبناؤه ! وظهرت مسائل الأفضلية والتنافس والنبذ، ومع المزيد من التقدم، تعقدت الآلات، وأصبح العالم أكثر ذوقاً وابتكاراً وامتلاكاً للمبادأة الفردية، هذه الخصال التي لا تتواءم مع نظام الرق الذي تحول إلى الإقطاع الذي تحول فيه العبد إلى اختصاصي أو فني، وهكذا مع كل تطور مستمر تتبدل العلاقات الاجتماعية حتى تركزت الملكية في أيدي القلة بالمجتمع الرأسمالي، لكن الأغلبية من الجماهير العاملة !
في الجزء الأول من رأس المال افترض ماركس ثبات التركيب البنيوي لرأس المال وهو النسبة بين رأس المال الثابت ( الأدوات – المصنع – المحل ) ورأس المال الكلي ( رأس المال الثابت زائد أجور العمال كرأس مال متغير )، هذا التركيب الذي يظل ثابتاً في السلع المتبادلة، هذه الفرضية التي أوقعت ماركس في العديد من الأخطاء حسب رأي الأستاذة جون روبلسون في مقالها عن علم الاقتصاد الماركسي، لهذا عرض نظريته في القيمة بالجزء الثالث في ظل فروض مختلفة ( الأمر الذي كان بمثابة حجر زاوية لكل نقد للماركسية ).
في علم الاقتصاد، يفرق بيم معنيين لفائض القيمة، فالقيمة ( الاستعلامية ) هي مدى قدرة سلعة معينة على إشباع حاجات المستهلك، والقيمة التبادلية وهي كمية ما يقبله المرء من سلعة معينة في مقابل وحدة محددة من سلعة أخرى، والقيمتان مرتبطتان معاً. وتساءل ماركسي في الجزء الأول من رأس المال: ما الذي يجعل كمية معينة من القمح مثلاً قابلة للتبادل بكمية معينة من سلعة أخرى وبكمية أخرى من سلعة ثالثة، وبأي حق نصف الكميتين المتبادلين بأنهما متساويتان؟ من الضروري أن يكون بينهما عنصر مشترك لا يكون خاصية مادية أو هندسية ولا يكون خاصية استعمالية، إذاً فلا يوجد عامل مشترك سوى ( قيمة ) العمل المبذول في إنتاج كل سلعة وهو متوسط كمية العمل اللازمة اجتماعياً لإنتاج وحدة معينة من السلعة، فإذا كانت هذه القيمة للعمل المبذول في إنتاج جهاز كهربي أكبر من القيمة المبذولة لإنتاج إردب من القمح لزم أن يساوي الجهاز أكثر من إردب من القمح. والأمر بسيط في حالة الحرفي أو العامل الخاص الذي هو نفسه رب العمل، فالخطاط يبتاع أدواته من ورق وحبر وقماش ويبيع وحداته مقدراً فارق يساوي الجهد الذي بذله في رسم لوحة. أما في النظام الرأسمالي لا يعمل العامل لحساب نفسه وإنما لصالح صاحب المصنع أو الورشة الذي يبتاع المواد الأولية ومجهود العامل فيحصل على كمية من النقود أكبر من التي ابتاع بها المواد إضافة إلى ما دفعه للعامل، فما هو مصدر تلك الزيادة؟ هل تلد النقود نقداً ؟! هل تخلق الآلة السلعة من العدم؟ إذاً فالعمل هو وحده الذي جعل من جوال القطن ومن الماكينة قماشاً، وهو الذي جعل للسلعة المنتجة قيمة تزيد عن ما أنفق في أدوات صنعها؛ إذن فالعامل يحصل على أقل من حقه بكثير، ما دام الرأسمالي يحقق كسباً من عدم، فكيف يتحدد جهده ليحسب حقه؟ يمكن حساب مقدار العمل اللازم لإنتاج سلعة ما بعدد الساعات اللازمة لإنتاج الحد الأدنى من المجموعة الأساسية من السلع والخدمات، بينما كان ينبغي أن يحصل على ما يساوي بالضبط قيمة عمله وهي الفارق بين ما تم دفعه في الأدوات وبين ثمن بيع السلعة: هذا هو المقصود بفائض القيمة والذي يحصل عليه الرأسمالي؛ ولا يحصل العامل إلا ما يكفي غذاؤه وملبسه، والقيمة التي يكسبها الرأسمالي فوق القيمة المناسبة للفرق بين الأدوات والسلعة الناتجة هي قيمة استغلاله للعامل.



No comments:

Post a Comment