Tuesday, February 21, 2012

الأمن المركزي في إنتظار سبارتاكوس

الأمن المركزي في إنتظار سبارتاكوس

الأمن المركزي في إنتظار سبارتاكوس
by Evan Evolution
 في مركز التجنيد، وقت الفرز، عند الكشف الطبي، يتم التوزيع والتقسيم والمعايرة بين أجسام المتقدمين والمتطوعين، الغير متعلمين طبعًا، حسب الطول والعرض وقوة التحمُّل وصلابة وبطش المنظر، وفي حالة قبولك لأداء الخدمة العسكريّة والتي تكون ثلاث سنوات غالبًا، إمّا أن تذهب في معسكر خدمتك على الحدود أو القرى المنعزلة والبعيدة، كجندي جيش مُجند. أو يتم إرسالك لقضاء مدة الخدمة العسكريّة كجندي أمن مركزي في وزارة الداخليّة، ولا حرية أو رأي لك للمفاضلة بينهما.ـ
تتبع إدارة قوات الأمن المركزي الإدارة العامة لرئاسة قوات الأمن المركزي في وزارة الداخليّة، وتتبعها مناطق ومعسكرات في مختلف أنحاء الجمهوريّة مثل: القاهرة "الدرَّاسة" والجيزة "الهرم"، ومناطق جنوب وشمال الصعيد ووسط وغرب الدلتا والسويس وسيناء والإسماعيليّة. أمّا المكان الرسمي الأول لعمل جندي الأمن المركزي وبداية إنتشاره بعد استيقاظه وتحركه من هذه المعسكرات في الثالثة أو السادسة صباحًا، فهو أقسام البوليس المركزيّة، ومهمته الأمن كأمن فقط، مثل انتظار حالات الاستدعاء من المواطنين أو التحرك مع سيارات الانتشار السريع لتأمين ومتابعة حركة الشوارع والميادين الرئيسيّة. والمكان الثاني، أو الأماكن، فتجد الجندي يقف مع زملائه في إستقبال تشريفة لشخصيّة مهمة أتت لإفتتاح مستشفى أو مكتبة، أو تأمين مباراة كرة قدم كما حدث في بورسعيد، أو ترحيل المتهمين من القسم إلى النيابة والمحكمة ثم العودة بهم، أو الخروج مع الضابط لمطاردة مجرم أو إحضار بلطجي، وكذلك التواجد أمام الفنادق السياحيّة والجامعات والمتاحف والسفارات والنقابات والسجلات، وفض وتفريق الإعتصامات والتجمعات والمظاهرات والمسيرات والوقفات الإحتجاجيّة، وربما أن حالفك الحظ وتمتلك رخصة قيادة، فحينها ستكون سائق سيارة سيادة اللواء وتعمل على إصطحاب أطفاله من وإلى المدرسة كل يوم، أو إنتظار زوجته بسيارة الخدمة خارج مركز التجميل لإعادتها للمنزل حتى لا تتسخ أظافرها!!؟
المعسكرات بالنسبة لجندي الأمن المركزي أشبه بالسجن، عليها حراسة مشددة مستعدة لضرب النار مباشرة، جندي يقتل جندي!!؟، وحتى إن وجدت مزارع في المعسكرات، فالجنود يكونون لها كعمالة عديمة الأجر ولكن عظيمة القوى، أما أرباح المنتجات والمحاصيل فتعود إلى الميزانيّة العسكريّة التي لا مُراجع عليها. ولا يحصل الجنود على إجازات إلا لمدد قليلة وعلى فترات متباعدة، حتى يشعروا بأهمية عملهم وخطورته، وهم يتعرضون إلى تدريبات شاقة لا إنسانيّة؛ ويتعامل معهم الضبّاط كأنهم آلات صماء متجلدة بلا إحساس أو إرادة. بل أن التعب أو المرض أو المشاعر الإنسانيّة البسيطة يُنظر لها، إن ظهرت من جندي، بإعتبارها ضعفًا وتخاذلا عن تأديّة الخدمة، وإنه "مش راجل". فمن بين أساليب تدريبهم إجبارهم على الوقوف ثماني ساعات صباحًا "طابور الشمس" ولا يتحركون خلالها ولو لقضاء الحاجة، ويصرخ فيهم ضابط الطابور قائلا "لو قرصّك تعبان.. خليك وااقف إنتباااه.. حااازي زميلك... أتفرج على الثباااااااااات"ـ


 
المجند دائمًا مستواه الثقافي صفر، ويجب أن يظل كذلك، هذا الشاب الذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين، يأتي إلى القاهرة "البندر" مُحملاً بمخزون من مشاكل مجتمع الريف، والصعيد، والأمراض الوراثيّة طبقا لزواج الأقارب هناك. وطوال إنتظار مهمته داخل سيارات الترحيلات الخضراء والزرقاء، يتناول الثلاث وجبات في "آزان" عملاق في منتصف صندوق اللوري الخلفي بين الكراسي الحديديّة، يرتدي صديري واقي من الطوب طوال الوقت، وخوذة سوداء كئيبة علي رأسه، و"شِنكار" يلف قصبتيّ رجليه لحمايتهما، ويمسك بيده اليسرى درعًا بلاستكيًا بمقبض معدني، طوله قريب من طول العسكري نفسه، ليحمي جسده بالكامل، ويحمل في اليد اليمني عصا سوداء "هراوة" مصنوعة من مادة كاوتشوكيّة مُصمتة حتى لا تكسر أثناء ضرب المتظاهرين. داخل السيارة لا توجد أي فتحات تهويّة، وحتى شفاطات الهواء إن وجدت فهي لا تعمل، فتفوح رائحة العرق الخانق وينتشر المرض بين الجنود، إلتهابات وحِكة وحُمة وغيرها من أمراض جلديّة.ـ
 معسكرات الأمن المركزي هي المكان الأمثل الذي تشتعل وتنطلق منه الثورة أولا، نعم.. فهم الطبقة المُعدمة المستغـَّلة، والعِمالة المجانية، فتمرد جنود الأمن المركزي لم يحدث إلا بناءًا على هذه التراكمات وغيرها، فإذا كانت الانتفاضة الخاطفة في 25 و26 فبراير 1986 – حينما ترددت إشاعة زيادة فترة الخدمة العسكرية وتقليل المرتب عن الجنود - قد انتهت سريعاً وتم احتواءها، فإن كل العوامل التي دفعت إليها لازالت قائمة، وعادت لتظهر في ديسمبر 2009 حينما اعتقلت أجهزة وزارة الداخليّة مجموعة من ضباط الأمن المركزي بعد تزعمهم تمردًا رفضوا فيه تنفيذ أوامر القيادة العليا، أمّا آخر تمرد فكان في أحداث مجلس الوزراء الأخيرة، فبراير 2012، حينما رفض مجموعة من الجنود إطلاق النيران على المتظاهرين، فعاقبهم الضابط بنزع الأسلحة منهم وتكبيلهم بأحد مواسير المياه بحائط أحد المنازل في شارع محمد محمود، ولكنه سارع بنقلهم إلى داخل المصفحة حتى لا يُهان وسط قادته إن جنوده عصت أوامره، أو تلتقط الصحافة صورهم. والسؤال الآن: هل سيظل الطريق صعبٌ أمامنا لإيصال المدّ الثوري من جديد إلى جنود الأمن المركزي حتى ينضموا لصفوف المصريين وباقي الطبقات الشعبية الثائرة!!؟، إنها الصحوّة المَرجُوّة.
 
المراجع:
-  لقاءات حيّة مع بعض جنود الأمن المركزي
-   إبراهيم الصحاري، عشرون عام على انتفاضة الأمن المركزي، مركز دراسات إشتراكية، يناير 2006
-   عمرو علي بركات، الشرطة وصلت إلي مرحلة الخواء الحقيقي، جريدة القاهرة، يونيو 2011
الأمن المركزي المصري، ويكيبيديا

No comments:

Post a Comment