Saturday, April 7, 2012

أمرنا شورى بينهم!!؟

أمرنا شورى بينهم!!؟

 
أمرنا شورى بينهم!!؟


ـ "الديموقراطية حرام شرعًا"، لم أندهش حينما سمعت أحد الشيوخ يقول هذا الكلام سابقًا، بل هو صادق مع نفسه جدًا يؤكد على كل ما في سريرته، فهي – أي الديموقراطية- لفظ أعجمي غريب على البيئة العربية الإسلامية، لم نره وفق مصطلحات ومفاهيم وتراكيب لغتنا الجميلة "لغة الضاد" ونصوصنا القرآنية، بل أن المرشد العام للإخوان لم يتحرّج أن يقول "الديموقراطية الإقتراعية (صندوق الإنتخابات) أمر مسموح به وجائز، بينما ديمقراطية الحكم العامة وتناقل السلطات وإعطاء المصدرية للشعب يتناقض مع شريعتنا الإسلامية التي توكّد الحاكمية لله وحده"،. التيار إسلامي يحرك بسعيه المحموم في محاولة لتأسيس الدولة الإسلامية بإستحضار نسختها الأصلية من صدر الإسلام، رغم أنه يعلم جيدًا أنه من المستحيل أن تعيد حركة الزمان للخلف بمقدار 1432 عام!!؟.   ـ
هل ذُكِرت نصوص قانونية في الدولة الإسلامية صراحة!؟، القرآن كتاب سماوي روحي وليس نص تشريعي دستوري، حتى وإن لمّح أو أرهص لنص قانوني فهو مرتبط بمكانه وزمانه، فلو كان هناك قانون واضح مذكور مدوّن لرجع إليه الصحابة في وقعة الجمل أو مقتل عثمان أو عليّ وبنوه، ولكان كل شيء سار إلى مجراه الطبيعي، ولكن ننا بلا نفاق أن دولة الراشدين سقطت قبل أن تتم عامها السبعين وإكتظت بفظائع الفتن والمعارك الدموية لأنها لم تعرف أي قانون أو دستور، القرآن والأحاديث تحدثا.
الديموقراطية كمصطلح وتعريف هي لفظة غربية لم تجد ما يوازيها في لغتنا، فتم تعريبها ونطقها كما هي. ولصعوبتها على ذائقة المواطن العربي صاحب المعلقات وبكاء الأطلال، راح يبحث عن ما يوازيها في كتابه السماوي الذي لم يترك صغيرة أو كبيرة إلا أحصاها، فأنتهى قراره أن الديموقراطية = الشورى!!؟، ولكنها للآسف ترجمة غير وافية، فهل حقًا تطابق اللفظيّن ليحلّ أحدهما محل الآخر!؟، هل فعلا لكلاهما نفس الدلالة والهدف والمضمون والمقومات الفكرية والفلسفية وطريقة التشكُّل التي يتشكّل بها ومعها!!؟ فلننظر في كلاهما ونرى...ـ
الديموقراطية لغويًا هي كلمةٌ مركبة مِن كلمتين: الأولى مشتقة من الكلمة اليونانية
   (Δήμος  أو  Demos
وتعني عامة الناس،
والثانية ( Κρατία أو kratia )
وتعني حكم والقيادة.
Demoacratia
وبهذا تكون الديمقراطية تَعني لغةً 'حكم الشعب' أو "حكم الشعب لِنفسهِ وبنفسه".
الديمقراطية إذن هي حُكمُ الأكثريّة في ظل الحفاظ على حقوق وحظوظ الأقليات حتى لو كان فرد واحد مختلف مع المجموع، وكنظام للحكم  هي دولة مؤسسات وهيئات تمثيلية ونقابات وتداول السلطات بين الجميع بشكل صحي واضح في نظم محاسبية قانونية، لا تداخل بينها ولكن تواصل قائم على قواعد، وسلطات ثلاثة تشريعية وقضائية وتنفيذية، لضمان سيادة القانون وحمايته لتتحقق العدالة والحرية والمساواة والمواطنة للجميع، بينما في دولة الإسلام هناك سلطة تنفيذية فقط وللآسف دون أي قانون أو مرجعية ثابتة سوى أهواء كل شخص، وليّ عنق الآيات والأحاديث لتتفق مع تنفيذ تلك الرغبات.ـ
القرآن في كل ما هو مختلف وغريب طلب سؤال أهل الذكر، وهم هنا الغرب الذي أنتج مصطلح الديموقراطية في حضن وطنه وأحداثه وتاريخه وعقليته وثقافته، ليرى ويعقد المقارنات من حيث المنطلق والتطبيق عن مدى مطابقة شورتنا لديموقراطيتهم ليمكن إبدال أحدهما محلّ الآخر!؟، وليس نحن من يأتي بكل آباء وكبرياء مفتعل لنقول أننا نرى أن الشورى هي الديموقراطية!!؟، البديل كما في الدواء هو أخذ دواء "بديلاً" عن آخر غير متوفر، ولكن هنا الآخر متوفر، والبديل يحوي نفس المادة الفعالة والتركيبات الكيميائية بنفس النسب مع تغير طفيف في الإسم التجاري فقط، وربما السعر أيضًا.
الشورى لغةً من المصدر "شار" وشار العسل أي استخرجه من الخلية، وفي لسان العرب "الشورى هي أخذ آراء الآخرين الفاهمين في موضوع ما لتحقيق مصلحة معينة لفرد واحد أو مجموعة من الأفراد، وأيضا هي استخراج الرأي الأنسب بتداول الآراء بين جماعة حول مسألة ما". ومن مجموع ما تقدم يتبين أن الشورى عملية يحدث فيها استخراج الآراء المتعددة في الأمر المعروض أمام من يحسنون ذلك، وتقليبها وفحصها والموازنة بينها، واختبارها لاختيار أنفعها وأصلحها، والدلالة عليها، فهي نظام عربي قديم ربما يعود لما قبل الإسلام نفسه، عرفته القبائل في شبه الجزيرة، بأن يأتي شيخ القبيلة بتشكيل مجلس خاص يضم مجموعة من الأشخاص صرحاء النسب أقوياء الحنكة أثرياء الجاه والمال.
وبالمناسبة فكلمة الشورى ذكِرَت في القرآن مرتيّن فقط!!؟، "شاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله"(آل عمران 159)، و"وأمرهم شورى بينهم"(الشورى 38)، وقد جاء في التفسير عند الحافظ بن كثير "أن الرسول كان يشاور صحابته لتطييب قلوبهم، ليكونوا فيما يفعلون أنشط لهم".. إذن الأمر مجرد مجاملة للمجلس لإحتساب أن دورهم فعّال وهام!!؟، بينما جاء في تفسير القرطبي "أمر الله نبيّه "ص" إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويتوكل على الله وليس على مشاورة من معه"!!؟، وقد كان النبي يشاور أصحابه في الأمور المتعلقة بمصالح الحروب والغنائم، وذلك في الآثار كثير تكراره، ولم يشاورهم في الأحكام بالطبع، لأنها منزلة من عند الله من خلاله وكلاهما صادق، على جميع الأقسام: من الفرض، والندب، والمكروه، والمباح، والحرام. الشورى إذن لا تتدخل في تشريعات الإسلام بإلغاء قوانين قديمة أو تعديلها أو إضافة قوانين جديدة، في أحسن الأحوال مجرد تفعيل وتعطيل لآيات وأحاديث وربطهما بالمناسبة فقط، وكانت أغلب إجتماعاتهم كما هو واضح لمناقشة أمور الحرب وتقسيم الغنائم بين الصحابة!؟. إذن المجلس في الدولة الإسلامية مجرد هيكل شكلي غير قادر على مناقشة أي أمر جوهري، مجرد حشد لا يهش ولا ينش!!؟.
والمجلس الشوري بقراراته غير مُلزم للحاكم ولا يملك أي أدوات ضغط أو قوى أو مؤسسة  بإمكانها إلزام الحاكم ليأخذ برأيه!؟، ومن هم أهل الشورى!؟، وممّن يختارون ومن يمثلون وما هي صفاتهم، وهل هم رؤساء قبائل أم محاربين أم صحابة أم علماء دين!؟
في الشورى يمكننا الرجوع للحديث النبوي القائل "طاعة ولي الأمر من غير معصية" والمستندة على فهم الآية الكريمة "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"(النساء 80)، وبالتالي فلا شورى ولا ديموقراطية تمت في عصر صدر الإسلام من الإساس. والمفاجأة أن أمر الشورى قاصر على المسلمين ولا يحق لغير المسلمين التدخل فيها، رغم أن قراراتها تنفذ على الجميع دون مراجعة أو نقض!!؟. ولكن الآن نتيجة الضغط الدولي وزخارف الديموقراطية الداخلية  سيكون "لغير المسلمين الاحتكام لشرائعهم الخاصة" وهو ما يتنافى مع أبسط مبادئ الديموقراطية. والمفاجأة الأخيرة أن الحاكم الإسلامي كفرد هو واحد من أعضاء مجلس الشورى هذا وله حق أن يأخذ القرار بنفسه دون الرجوع إلى التسعة الذين معه، وما عليهم صده أو محاربته، بل معاتبته بالحُسنى!!؟ .
 
ميلاد سليمان

No comments:

Post a Comment